(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)

السبت، يناير 30، 2016

الصلاة في الطائرة

   كثيرًا ما يحين وقت الصلاة على السائح في سفره بالطائرة ويخشى فوات وقت الصلاة،  فكيف يمكنه أداء الصلاة في الطائرة سواء كانت نفلا أو فرضا؟
الجواب من خلال أربع مسائل:
المسألة الأولى: حكم الصلاة في غير وقتها بلا عذر.


   لا يعلم خلاف بين الفقهاء في أن تأخير الصلاة عن وقتها بدون عذر ذنب عظيم، لا يرفع إلا بالتوبة والندم على ما فرط من العبد، وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم من فعل ذلك بأنه مفرط أي مقصر، حيث قال صلى الله عليه وسلم: {إِنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ، إِنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي اليَقَظَةِ، فَإِذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ صَلاةً، أَوْ نَامَ عَنْهَا، فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا}[1].
المسألة الثانية: صلاة النفل في الطائرة.
   يشرع للمسافر أداء النوافل في سفره على كرسيه  في السيارة أو السفينة أو الطائرة  يومئ بالركوع والسجود، ولا يلزم في ذلك القيام، كما لا يلزم استقبال القبلة، إذ اتفق الفقهاء على أنه يجوز للمسافر صلاة النفل على الراحلة حيثما توجهت به، لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما: {كانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي وَهُوَ مُقْبِلٌ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ، قَالَ: وَفِيهِ نَزَلَتْ (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ)[2]}[3]، يقول ابن عمر رضي الله عنهما في هذه الآية: نزلت في التطوع خاصة، ويقول الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم: "في هذه الأحاديث جواز التنفل على الراحلة في السفر حيث توجهت، وهذا جائز بإجماع المسلمين"[4]، ويقاس على الدابة كل مركوب في العصر الحديث كالسيارة والطائرة.
المسألة الثالثة: صلاة الفريضة في الطائرة.
   الأصل أن صلاة الفريضة على الراحلة لا تجوز إلا لعذر، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: {أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ نَحْوَ المَشْرِقِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ المَكْتُوبَةَ نَزَلَ، فَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ}[5]، وعن سالم بن عبد الله عن أبيه –رضي الله عنهما قال:{كَانَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم يُسَبِّحُ عَلَى الرَّاحِلَةِ قِبَلَ أَيِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ، وَيُوتِرُ عَلَيْهَا، غَيْرَ أَنَّهُ لا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ}[6].
   قال ابن بطال: أجمع العلماء على أنه لا يجوز لأحد أن يصلي الفريضة على الدابة من غير عذر، ولأن أداء الفرائض على الدابة مع القدرة على النزول لا يجوز، ولأن شرط الفريضة المكتوبة أن يكون المصلي مستقبل القبلة مستقرا في جميعها، فلا تصح من الراكب المخل بقيام أو استقبال[7].
   قال الإمام النووي في شرح المهذب: "(فرع) قال أصحابنا: إذا صلى الفريضة في السفينة لم يجز له ترك القيام مع القدرة, كما لو كان في البر, وبه قال مالك وأحمد, وقال أبو حنيفة: يجوز إذا كانت سائرة, قال أصحابنا: فإن كان له عذر من دوران الرأس ونحوه جازت الفريضة قاعدا; لأنه عاجز"[8].
   وقد عدد الفقهاء الأعذار التي تبيح الصلاة على الراحلة، ومن ذلك : الخوف على النفس أو المال من عدو أو سبع، أو خوف الانقطاع عن الرفقة، أو التأذي بالمطر والوحل؛ ففي مثل هذه الأحوال تجوز صلاة الفريضة على الراحلة بالإيماء من غير ركوع وسجود؛ لأن عند اعتراض هذه الأعذار عجزا عن تحصيل هذه الأركان[9].
    يقول ابن قدامة: إذا اشتد الخوف، بحيث لا يتمكن من الصلاة إلى القبلة، أو عجز عن بعض أركان الصلاة: إما لهرب مباح من عدو، أو سيل، أو سبع، أو حريق، أو نحو ذلك مما لا يمكنه التخلص منه إلا بالهرب، أو المسابقة، أو التحام الحرب والحاجة إلى الكر والفر والطعن والضرب والمطاردة فله أن يصلي على حسب حاله راجلا وراكبا إلى القبلة إن أمكن، أو إلى غيرها إن لم يمكن، وإذا عجز عن الركوع والسجود أومأ بهما وينحني إلى السجود أكثر من الركوع على قدر طاقته، وإن عجز عن الإيماء سقط، وإن عجز عن القيام، أو القعود، أو غيرهما سقط، وإن احتاج إلى الطعن والضرب والكر والفر فعل ذلك ولا يؤخر الصلاة عن وقتها[10]؛ لقول الله تعالى: (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا)[11].
المسألة الرابعة: أحوال صلاة المسافر بالطائرة.
   قد يجد المرء نفسه مضطرًا إلى الصلاة على متن الطائرة حال طيرانها في الجو لدخول الوقت وتعلق التكليف بذمته، والمعتمد هو صحة الصلاة فيها؛ لأنه طالما قد انتفى الخلل في أركان الصلاة وشرائطها، فإن بقاء الصلاة على الصحة هو الأصل المستصحب خاصة مع عدم انتهاض دليل على البطلان، وللمسافر بالطائرة أحوال فيما يتعلق بوقت الصلاة، وهي على النحو الآتي[12]:
الحالة الأولى: إذا دخل وقت الصلاة على المسافر وهو في الطائرة وكان يستطيع أداءها في وقتها بعد نزوله ووصوله: فالأولى له في هذه الحالة أن يؤخـر الصلاة حتى يصل، ويلزمه ذلك إن لم يجد مكانًا يؤدي فيه الصلاة بشروطها وأركانها في الطائرة.
الحالة الثانية: إذا كانت الصلاة مما يجوز جمعها مع غيرها عند السفر وهي الظهر والعصر، أو المغرب والعشاء، وكان يستطيع أداءهما في الوقت جَمْعَ تقديم أو تأخير على الأرض، فالأولى الصلاة قبل صعود الطائرة، أو بعد النزول منها، وبيان ذلك أن وقت الظهر والعصر يبدأ للمسافر من زوال الشمس ولا ينتهي اضطرارًا إلا بغروبها، كما يبدأ وقت المغرب والعشاء من غروب الشمس ولا ينتهي إلا بمنتصف الليل اختيارًا، أو طلوع الفجر عند الاضطرار، فإن أمكنه الصلاة قبل السفر أو بعده في الوقت الموسع للصلاتين فذلك أولى.
الحالة الثالثة: إذا أدركت المسافر الصلاة ويعلم أن الوقت لا يُمَكِّنه من أدائها على الأرض فيلزمه أداؤها في الطائرة، وعليه الانتباه لما يلي:
• تحقيق القيام مع القدرة وهو أحد أركان الصلاة.
•  تحقيق استقبال القبلة وهو أحد شروط الصلاة.
في هذه الحالة على المسافر في الطائرة ما يلي:
1- على المسافر أن يتحين الفرصة لأداء الصلاة على الأرض في المطار قبل الإقلاع أو بعد الهبوط، إذا أمكنه ذلك في وقت الصلاة.
2- على المسافر أن يستأذن مضيفي الطائرة ويطلب منهم أن يؤدي الصلاة مع القيام واستقبال القبلة في مكان لا يؤذي فيه الآخرين، والعادة أن المضيفين يسمحون، ويهيئون مكانًا لذلك في آخر الطائرة، أو عند باب الطوارئ أو نحو ذلك.
3- إذا لم يأذن المضيفون لأي سبب، فعليه أن يصلي على كرسيه؛ يومئ بالركوع والسجود، ولا يؤخر الصلاة عن وقتها، والله تعالى يقول: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)[13].
4- أما الجهل بالقبلة فليس أمرًا ذاتيًا لا ينفك عنه راكب الطائرة متعلقًا بنفس الركوب، بل هو أمر عارض قابل للارتفاع بأدلة القبلة إن كان ممن يعرفها أو بتقليد من يعرفها، وتحديد الاتجاهات ومعرفتها أيسر ما يكون في الملاحة الجوية عن طريق الآلات المتطورة والبوصلات الحديثة التي تكون في الطائرات أو من خلال الشاشة الالكترونية كما في طائرات الملكية الأردنية ودول الخليج العربي.


             

شاشة كمبيوتر أمام كل راكب      إمكانية الصلاة عند باب الطوارئ        طفل أمريكي يصلي عند         الملكية الأردنية                                                                       مدخل مطبخ الطائـــرة




                                                       


















[1] رواه  الترمذي وقال عنه: حديث حسن صحيح، أبواب الصلاة، باب ما جاء في النوم عن الصلاة، حديث رقم (177).
[2] سورة البقرة: الآية 115.
[3] رواه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث توجهت، حديث رقم (700).
[4] شرح صحيح مسلم للنووي، ج 3 ص 9.
[5] رواه البخاري، كتاب الجمعة، باب ينزل للمكتوبة، حديث رقم (1099).
[6] رواه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث توجهت، حديث رقم (700).
[7] فتح الباري لابن حجر/ ج 2 ص 575 ، بدائع الصنائع للكاساني/ ج 1 ص 108، حاشية الدسوقي/ ج 1 ص 339، مغني المحتاج للخطيب الشربيني/ ج 1 ص 142.
[8] المجموع للنووي/ ج3 ص 222.
[9] بدائع الصنائع للكاساني/ ج 1 ص 108 ، حاشية الدسوقي / ج 1ص 229 230، نهاية المحتاج للرملي/ ج 1 ص 408  409، شرح منتهى الإرادات / ج 1 ص 273.
[10]  المغني لابن قدامة/ ج1 ص 432.
[11] اليقرة: من الآية 239.
[12] من موقع على الانترنت: http://www.fikhguide.com/almbt3th/13
[13] التغابن: من الآية 16.
التعليقات
0 التعليقات
جميع الحقوق محفوضة@2015 : د.حسن بن جازي الحويطات