(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)

السبت، يناير 30، 2016

الدعاء (فضله، وآدابه، ومظان استجابته، وموانعه)

يقول الله عز وجل: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)[البقرة: 186].
·       فضل الدعاء:
الدعاء عبادة, وله أثر بالغ وفائدة عظيمة, ولولا ذلك لم يأمرنا الحق عز وجل بالدعاء ولا رغب النبي صلى الله عليه وسلم فيه, فكم رُفِعَتْ محنة بالدعاء, وكم من مصيبة أو كارثة كشفها الله بالدعاء, وكان من جملة أسباب النصر في بدر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، والدعاء أيضاً هو السبيل لمغفرة الذنوب والمعاصي, وسبب لجلب الخير ودفع الشر، ومن ترك الدعاء فقد سد على نفسه باباً عظيماً من أبواب الخير.


واعلم أخي المسلم أن الدعاء يشتمل على ذكر الله وزيادة، فكل حديث في فضل الذكر يصدق عليه أن يكون دعاءً، والمؤمن مأمور دائماً بالذكر والدعاء في كل حال، قال تعالى: (اُدْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) [الأعراف: 55]، وقال عز وجل: (قُلْ اُدْعُوا اللَّهَ أَوْ اُدْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) [الإسراء: 110]، وروى النُّعمان بن بشير رضي الله عنهما: "عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنّه قال: {الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ}، ثمّ قرأَ: (وَقَالَ رَبُّكُمْ اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [غافر: 60]"([1])، وقال صلى الله عليه وسلم: {إنَّ رَبَّكُمْ حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا}([2])، وعن أَبي هريرة رضي الله عنه أَنَّه صلى الله عليه وسلم قال: {لَيْسَ شَيْءٌ  أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الدُّعَاءِ}([3])، وقال صلى الله عليه وسلم: {مَا عَلَى الأَرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ إلا آتَاهُ اللَّهُ إيَّاهَا أَوْ صَرَفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ}([4]).
فالدعاء يتضمَّن حقِيقة العبوديّة والاعتراف بافتقار العبد وعجزه، وغنى الرّبّ وقدرته وإحاطته سبحانه بكل شيء علماً؛ فالدعاء يزيد العبد قرباً من ربه واعترافاً بحقه ، ولذا حث صلى الله عليه وسلم على الدعاء، وعلّم الله عباده دعاءه بقوله: (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [البقرة: 286]، وأخبرنا بدعوات رسله وتضرعهم، فقد دعا أيوب عليه السلام بقوله: (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [الأنبياء: 83]، وقال أبو البشر سيدنا آدم عليه السلام: (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف: 23]، وقال يوسف عليه السلام: (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) [يوسف: 101]، وقال يونس عليه السلام: (لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء: 87]، ودعا نبينا صلى الله عليه وسلم في مواقف لا تنحصر عند لقاء الأعداء وغيرها، ودعواته في الصباح والمساء والصلوات وغيرها معروفة.
·       آداب الدعاء:
للدعاء آداب كثيرة ينبغي للمسلم أن يتحلى بها، أذكر منها:
(1)     أن يفتتح الدعاء بذكر الله عز وجل وبالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الحمد لله والثناء عليه، ويختمه بذلك كله أيضا، لما ورد عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه يقول: {سَمِعَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً يَدْعُو فِى صَلاَتِهِ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: عَجِلَ هَذَا، ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ: إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ثُمَّ لِيُصَلِّ عَلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ لِيَدْعُ بَعْدُ بِمَا شَاءَ}([5])، وعن عبد اللّه بن مسعود رضي الله عنهما قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّى وَالنَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رضي الله عنهما مَعَهُ فَلَمَّا جَلَسْتُ بَدَأْتُ بِالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ ثُمَّ الصَّلاَةِ عَلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ دَعَوْتُ لِنَفْسِى فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: {سَلْ تُعْطَهْ سَلْ تُعْطَهْ}([6]).
(2)     أَن يدعو مستقْبل الْقبلَة ويرفع يديه بِحيث يُرَى بياض إبِطَيه، فعن جابِر بن عبد اللَّه رضي الله عنهما: {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَى الْمَوْقِفَ بِعَرَفَةَ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَلَمْ يَزَلْ يَدْعُو حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ}([7])، وقال سلْمان الفارسي رضي الله عنه: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {إنَّ رَبَّكُمْ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا}([8])، وروى أَنس أَنّه {رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إبِطَيْهِ}([9]).
(3)     خفض الصوت بين المخافتة والجهر لقوله عز وجل: (اُدْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً)  ([10]), ولما روي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: {كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَكُنَّا إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى وَادٍ هَلَّلْنَا وَكَبَّرْنَا ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا، فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، ارْبَعُوا([11])عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا، إِنَّهُ مَعَكُمْ، إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ، تَبَارَكَ اسْمُهُ وَتَعَالَى جَدُّهُ}([12]).
(4)     أن لا يتكلف السجع في الدعاء فإن حال الداعي ينبغي أن يكون حال متضرع، والتكلف لا يناسبه، قال صلى الله عليه وسلم: {سَيَكُونُ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الدُّعَاءِ}([13]), وقد قال عز وجل: (اُدْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)([14])، وقيل معناه التكلف للأسجاع، والأولى أن لا يجاوز الدعوات المأثورة، فإنه قد يعتدي في دعائه فيسأل ما لا تقتضيه مصلحته، فما كل أحد يحسن الدعاء، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: {وَانْظُرْ السَّجْعَ مِنْ الدُّعَاءِ فَاجْتَنِبْهُ, فَإِنِّي عَهِدْتُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لا يَفْعَلُونَ إلا ذَلِكَ}([15])، يعني لا يفعلون إلا ذلك الاجتناب.
(5)     التّضرّع والخشوع والرَّغبة والرَّهبة قال اللَّه تعالى: (إنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا)([16])، وقال عز وجل: (فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَآءِ وَالضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ، فَلَوْلا إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)([17])، وقال سبحانه: (قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ)([18]).
(6)     أَن يجزم الدّعاء ويوقن بِالإِجابة، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: {لا يَقُولَن أَحَدُكُمْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إنْ شِئْت, اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إنْ شِئْت, لِيَعْزِمْ الْمَسْأَلَةَ فَإِنَّهُ لا مُسْتَكْرِهَ لَهُ}([19])، وقال صلى الله عليه وسلم: {إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلاَ يَقُلِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى إِنْ شِئْتَ وَلَكِنْ لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ وَلْيُعَظِّمِ الرَّغْبَةَ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَتَعَاظَمُهُ شَىْءٌ أَعْطَاهُ}([20])، وقال صلى الله عليه وسلم: {ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لاَهٍ}([21]).
(7)     أَن يُلِحَّ في الدّعاء ويُكرِّره ثَلَاثًا، فالعبد يكثر من الدعاء، ويكرره، ويلحُّ على الله بتكرير ربوبيته وإلهيته، وأسمائه وصفاته، وذلك من أعظم ما يطلب به إجابة الدعاء، فعن ابن مسعود رضي الله عنهما: {كَانَ صلى الله عليه وسلم إذَا دَعَا دَعَا ثَلاثًا, وَإِذَا سَأَلَ سَأَلَ ثَلاثًا}([22]).
(8)     أن لا يدعو على أهله، وماله، أو ولده، أو نفسه، فعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي لعن بعيره: {مَنْ هَذَا اللاَّعِنُ بَعِيرَهُ، قَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: انْزِلْ عَنْهُ فَلاَ تَصْحَبْنَا بِمَلْعُونٍ لاَ تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَوْلاَدِكُمْ وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ لاَ تُوَافِقُوا مِنَ اللَّهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ}([23]).
·       مظان استجابة الدعاء:
ومما ينبغي على المسلم أن يتحرى بدعائه الأوقات التي يستجاب فيها الدعاء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: {افْعَلُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ، فَإِنَّ لِلَّهِ نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ}([24])، ومن هذه النفحات:
1-      الدعاء عند الأذان والإقامة وما بينهما، وفي دبر الصلوات المكتوبات، فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {ثِنْتَانِ لاَ تُرَدَّانِ أَوْ قَلَّمَا تُرَدَّانِ: الدُّعَاءُ عِنْدَ النِّدَاءِ وَعِنْدَ الْبَأْسِ حِينَ يُلْحِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا}([25])، وقال صلى الله عليه وسلم: {لاَ يُرَدُّ الدُّعَاءُ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ}([26])، وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الباهلي   رضي الله عنه قَالَ: {قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ؟ قَالَ: جَوْفُ اللَّيْلِ الآخِرُ، وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ}([27]).
2-      الدعاء حال السجود في الصلاة، وإنما كان السجود مظنة الإجابة؛ لأن فيه يتمثل كمال العبودية والتذلل والخضوع لله تعالى، يضع العبد أكرم ما فيه وهو جبهته ووجهه على الأرض وهي موطئ الأقدام تعظيماً لربه تبارك وتعالى، ومع كمال التذلل والتعظيم يزداد القرب والمكانة من رب العزة، فيكون ذاك مظنة عود الله تعالى على عبده بالرحمة والمغفرة والقبول، فعن أَبِي هريرة      رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: {أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ, فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ}([28]).
3-      ثلث اللَّيل الآخر ووقت السحر من ساعات الليل، قال الله تعالى في مدح القائمين بالليل: (كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الذاريات: 17، 18]، وعن أَبِي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: {يَنْزِلُ اللَّهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ حِينَ يَمْضِى ثُلُثُ اللَّيْلِ الأَوَّلُ، فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الْمَلِكُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ، فَلاَ يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُضِيءَ الْفَجْرُ}([29])، وعن جَابِر رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: {إِنَّ فِي اللَّيْلِ لَسَاعَةً لاَ يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ}([30]).
4-      ساعة من ساعات يوم الجمعة، فعَنْ أَبِى هريرة  رضي الله عنه أن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:{إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ لَسَاعَةً لا يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا خَيْرًا إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ، قَالَ: وَهِىَ سَاعَةٌ خَفِيفَةٌ}([31])، وقد اختلف العلماء في تحديد هذه الساعة على أقوال كثيرة، قيل: هي ما بين أَن يجلس الإِمام إلَى أَن يقضي الصّلاة، وقيل: هي ما بين الفجر إلَى طلوع الشّمس, ومن العصر إلَى غروبِها، وقيل: هي السَّاعة الثّالثة من النّهار، وقيل: أن الله تعالى أَخفى هذِه السّاعةَ ليجتهِد عباده في دعائه في جميع اليوم طلَباً لها, كما أَخفى الله عز وجل لَيلَةَ القَدر في ليالي رمضان, ليجتهد الناس في عبادته في جميع الليالي، و كما أَخفى الله تعالى َأَولياءه في الخلق؛ ليحْسَن الظّنّ بالصَّالحين كلِّهم.
5-      دعوة المسافر والصائم والمظلوم والوالد لولده أوعليه، قَالَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: {ثَلاَثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لاَ شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ}([32])، وقال صلى الله عليه وسلم:{ثَلاَثَةٌ لاَ تُرَدُّ دَعْوَتُهُمُ: الإِمَامُ الْعَادِلُ، وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا فَوْقَ الْغَمَامِ وَتُفَتَّحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: وَعِزَّتِي لأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ}([33]).
6-      دعاء المؤمن لأخيه بِظهر الغيب، فعن أُمِّ الدَّرْدَاءِ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ: {دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ، كُلَّمَا دَعَا لأَخِيهِ بِخَيْرٍ قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ، وَلَكَ بِمِثْلٍ}([34])
·       موانع إجابة الدعاء:
اعلم أخي المسلم أن المانع من إجابة الدعاء عدة أمور، منها:
المانع الأول: أكل المال الحرام، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) [المؤمنون: 51]، وَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172]، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِىَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ}([35])، ولهذا كان الصحابة والصالحون يحرصون أشد الحرص على أن يأكلوا من الحلال ويبتعدوا عن الحرام، فعن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: {كَانَ لأَبِي بَكْرٍ غُلاَمٌ يُخْرِجُ لَهُ الْخَرَاجَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأْكُلُ مِنْ خَرَاجِهِ، فَجَاءَ يَوْمًا بِشَيْءٍ، فَأَكَلَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ الْغُلاَمُ: تَدْرِي مَا هَذَا؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَمَا هُو؟َ قَالَ: كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لإِنْسَانٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَمَا أُحْسِنُ الْكِهَانَةَ، إِلاَّ أَنِّي خَدَعْتُهُ، فَلَقِيَنِي فَأَعْطَانِي بِذَلِكَ، فَهَذَا الَّذِي أَكَلْتَ مِنْهُ، فَأَدْخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ، فَقَاءَ كُلَّ شَيْءٍ فِي بَطْنِهِ}([36]).
المانع الثاني: الاستعجال وترك الدعاء، فمن الموانع التي تمنع إجابة الدعاء أن يستعجل الإنسان المسلم ويترك الدعاء لتأخر الإجابة، فقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا العمل مانعاً من موانع الإجابة، حتى لا يقطع العبد رجاءه من إجابة دُعائه ولو طالت المدة، فإنه سبحانه يحب الملحين في الدعاء، فقد قال صلى الله عليه وسلم: {يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي}([37])، وفي رواية أخرى: {لاَ يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا الاِسْتِعْجَالُ؟ قَال: يَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي، فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ}([38])، فلا ينبغي للعبد أن يستعجل في عدم إجابة الدعاء؛ لأن الله قد يؤخر الإجابة لأسباب، إما لعدم تحقق شروط الإجابة، أو بسبب الوقوع في الموانع، أو لأسباب أخرى تكون في صالح العبد وهو لا يدري، فعلى العبد إذا لم يستَجَبْ دعاؤه أن يراجع نفسه ويتوب إلى الله تعالى من جميع المعاصي، ويبشر بالخير العاجل والآجل.
وقد تُؤخرُ الإجابة لمدة طويلة كما أخر سبحانه إجابة سيدنا يعقوب عليه السلام في رد ابنه يوسف إليه، وهو نبي كريم، وكما أخر إجابة نبيه أيوب عليه السلام في كشف الضر عنه، وقد يُعطى السائل خيراً مما يسأل، وقد يُصرف عنه من الشر أفضل مما سأل.
المانع الثالث: الدعاء بإثم أو قطيعة رحم، فعن أَبِي سَعِيد  رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: {ما مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلاَ قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلاَّ أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلاَثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا، قَالُوا: إِذاً نُكْثِرُ، قَالَ: اللَّهُ أَكْثَرُ}([39]).

والحمد لله رب العالمين







([1]) سنن أبي داود، كتاب: الوتر، باب: الدعاء، حديث (1479).
([2]) سنن الترمذي، كتاب: الدعوات، باب: فضل التوبة والاستغفار، حديث (3556).
([3]) سنن الترمذي، كتاب: الدعوات، باب: فضل الدعاء، حديث (3370).
([4]) سنن الترمذي، كتاب: الدعوات، باب: ما جاء أن دعوة المسلم مستجابة، حديث (3381).
([5]) رواه الترمذي وقال عنه حديث حسن صحيح.
([6]) رواه الترمذي وقال عنه حديث حسن صحيح.
([7]) رواه  مسلم.
([8]) رواه الترمذي وقال عنه حديث حسن غريب.
([9]) رواه  مسلم.
([10]) الأعراف: 55.
([11]) اِرْبَعُوا : بِهَمْزَةِ وَصْل وَبِفَتْحِ الْبَاء الْمُوَحَّدَة مَعْنَاهُ: اُرْفُقُوا بِأَنْفُسِكُمْ، وَاخْفِضُوا أَصْوَاتكُمْ.
([12]) رواه البخاري.
([13]) رواه ابن ماجة بإسناد صحيح.
([14]) الأعراف: 55.
([15]) رواه البخاري.
([16]) الأنبياء: 90.
([17]) الأنعام: 42،43.
([18]) الأنعام: 63.
([19]) رواه البخاري ومسلم.
([20]) رواه مسلم.
([21]) رواه الترمذي وقال عنه حديث غريب.
([22]) رواه مسلم.
([23]) رواه مسلم.
([24]) رواه الطبراني في المعجم الكبير، حديث (720).
([25]) سنن أبي داود، كتاب: الجهاد، باب: الدعاء عند اللقاء، حديث (2540).
([26]) سنن أبي داود، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في الدعاء بين الأذان والإقامة، حديث (521).
([27]) سنن الترمذي، كتاب: الدعوات، باب: عقد التسبيح باليد، حديث (3499).
([28]) صحيح مسلم، كتاب: الصلاة، باب: ما يقال في الركوع والسجود، حديث (1111).
([29]) صحيح مسلم، كتاب: صلاة المسافرين، باب: الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل، حديث (1809).
([30]) صحيح مسلم، كتاب: صلاة المسافرين، باب: في الليل ساعة مستجاب فيها الدعاء، حديث (1299)
([31]) صحيح مسلم، كتاب: الجمعة، باب: في الساعة التي في الجمعة، حديث (1453).
([32]) سنن الترمذي، كتاب: الذبائح، باب: ما جاء في دعوة الوالدين، حديث (1877).
([33]) سنن ابن ماجه، كتاب: الصيام، باب: الصائم لا ترد دعوته، حديث (1748).
([34]) صحيح مسلم، كتاب: الذكر والدعاء، باب: فضل الدعاء للمسلمين بظهر الغيب، حديث (5021).
([35]) صحيح مسلم، كتاب: الزكاة، باب: قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها، حديث (‏1748).
([36]) صحيح البخاري، كتاب: المناقب، باب: أيام الجاهلية، حديث: (‏3652‏).
([37]) متفق عليه.
([38]) صحيح مسلم، كتاب: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب: بيان أنه يستجاب للداعي ما لم يعجل، حديث (‏5025‏).
([39]) مسند الإمام أحمد، حديث (‏10920‏).
التعليقات
0 التعليقات
جميع الحقوق محفوضة@2015 : د.حسن بن جازي الحويطات