(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)

السبت، يناير 30، 2016

الإسلام دين ودولة

   الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين، سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
   فلا يمكن للحاكم المسلم أن يحكم الأمة وفق الشريعة الإسلامية إلا بقيام دولة إسلامية، إذ إن قيام الدولة في الإسلام ضرورة من ضرورات هذا الدين، وملازمة له؛ وذلك من أجل حمايته، والعمل على نشره، وتطبيق حدوده، وتنفيذ أحكامه.




   روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما آذته قريش في مكة المكرمة، أيقن أنه سوف لا يتمكن من إظهار كلمة الله تعالى وتبليغها للناس وهو بين ظهرانيهم، وأنه لا بد لحماية الدعوة من وجود قوة ومنعة؛ لأن الحق والحرية يعيشان في ظل القوة والنظام، ونفاذ الأحكام لا يتأتى بدون سلطة، وبقاء الجماعة وعزتها لا تكون بدون دولة([1])، وفي هذا المعنى جاء في الأثر: {إنَّ اللَّهَ يَزَعُ بِالسُّلْطَانِ مَا لا يَزَعُ بِالْقُرْآنِ}([2]).
    لهذا قام الرسول صلى الله عليه وسلم بالهجرة من مكة إلى المدينة؛ ليؤسس نواة دولة الإسلام فيها، إذ قام بإدارة لشؤون الجماعة، وقامت تلك الإدارة في حياته وبقيادته بأعمال كثيرة من أعمال الدولة، مثل: جمع الزكاة، وتنظيم شؤون العلاقات الداخلية بين فئات المجتمع، فآخى بين المهاجرين والأنصار، وكتب كتابا بينهم وادع فيه اليهود وعاهدهم وأقرهم على دينهم وأموالهم واشترط عليهم وشرّط لهم، كما قام بترتيب شؤون العدالة، وتولي مسائل الحرب والسلم والمفاوضات مع الجماعات الأخرى خارج أرض الجماعة الأولى، وهكذا انبثقت أول دولة إسلامية في الأرض([3]).
    يقول الدكتور محمد سليم العوا: "من المسلّم به بين الباحثين في أصول النظام السياسي للدولة الإسلامية، وفي تاريخ هذا النظام أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أسس الدولة الإسلامية الأولى عقب هجرته من مكة إلى المدينة، وتعتبر هذه الدولة التي أسسها الرسول صلى الله عليه وسلم أقدم صورة معروفة إلى اليوم في تاريخ الإنسانية للدولة كصورة تاريخية من صور المجتمع السياسي، وقد تميزت بكل العناصر التي تميز الدولة وفق المفاهيم السائدة في دراسات العلوم السياسية المعاصرة"([4]).
    ولضرورة قيام الدولة المسلمة يقول الدكتور يوسف القرضاوي في حاجة الإسلام إلى الدولة: "ثم إن الإسلام –لو لم نجن نصوصه المباشرة بإيجاب إقامة دولة له، لكانت حاجته إلى دولة لا ريب فيها، فهو يحتاج إلى دولة وحكم لأكثر من سبب، وأكثر من واجب:
·      أولا: لحماية عقائده وتثبيتها، وإزاحة كل ما يشوّه جمالها، ويطمس نورها.
·   ثانيا: لإقامة شعائره وعباداته، والإعانة عليها؛ فإن عبادات الإسلام لا يمكن أن تؤدي حق أدائها إلا في ظل دولة ترعاها، وتقوم عليها.
·      ثالثا: الإسلام في حاجة إلى الدولة لغرس آدابه وأخلاقه في أنفس أبنائه والناشئة خصوصا.
·   رابعا: ثم هناك التشريعات والقوانين التي جاء بها الإسلام، لينظم بها جوانب هامة من الحياة في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، كقوانين الأسرة والميراث والنفقات في الأحوال الشخصية، وكتحريم الربا والقمار والخمر والاحتكار في القانون المدني، وكقطع يد السارق وجلد الزاني والقاذف وشارب الخمر، والقصاص من القاتل المتعمد، وقتل الزاني المحصن والتارك لدينه المفارق للجماعة في قانون العقوبات.
    من الذي يقوم على تنفيذ هذه التشريعات، ونقلها من نصوص نظرية إلى واقع تطبيقي إلا الدولة؟ من الذي يرعى الحقوق، ويحرس القوانين، ويقيم الحدود، ويحفظ الأمن إلا الدولة؟ يقول صلى الله عليه وسلم: {حَدٌّ يُعْمَلُ فِي الأَرْضِ خَيْرٌ لأَهْلِ الأَرْضِ مِنْ أَنْ يُمْطَرُوا ثَلاثِينَ صَبَاحًا}([5])؛ لأنه لا خير في إمطار السماء، ولا إنبات الأرض إذا انتهكت الحرمات، وأهدرت الحقوق، وسيطر على الأرض الظلمة الفجرة، والزناة والسكيرون، فلا بد من قوة مادية رادعة تكف المجرم عن إجرامه، وتزجر غيره عن تقليده.
·   خامسا: وأخيرا هناك فريضة الجهاد؛ لحماية دعوة الإسلام وأرض الإسلام وتبليغ رسالة الإسلام إلى العالمين؛ حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين كله لله"([6]).
    فقيام الدولة المسلمة ضرورة دينية، وإنسانية، واجتماعية، وسياسية، فهي ضرورة دينية؛ لحمايته ونشره، وتنفيذ أحكامه، وهي ضرورة إنسانية؛ لترقي بالإنسان من عالم الفوضى والوحشية، إلى عالم النظام والمدنية الراقية، وهي ضرورة اجتماعية؛ لتنظيم علاقات الناس مع بعضهم البعض في المجتمع، وهي ضرورة سياسية؛ لتسوس هذا المجتمع، وتقوم على شؤونه، وتحفظ حقوق أفراده وجماعته، وتكون حَكَما عدلا بين الناس([7]).
    ويشهد للقول بوجوب قيام الدولة المسلمة، الأدلة الدالة على وجوب إقامة الحاكم (الإمام الأعظم)؛ لأنه بإقامته تقام الدولة، إذ لا دولة بدون حاكم، ولا حاكم بدون دولة، فهما أمران متلازمان.
بدعة فصل الدين عن الدولة.
    إن قيام الدولة المسلمة ضرورة من ضرورات هذا الدين، وإن الدعوة إلى الدين وقيام الدولة أمران متلازمان في الإسلام، إذ إن من الوظائف الرئيسة للدولة هو حماية نشر الدعوة والإشراف على تنفيذ الأحكام([8]).
    يقول الدكتور فتحي الدريني: "وبحوث فقهاء السياسة المسلمين تدور حول (وحدة الدين والدنيا) حكما وسياسة، تشريعا وسيادة، ضمانا لأمرين:
1-   استمرار تبليغ الرسالة، وتنفيذها عملا، وعلى أكمل وجه يحقق المصلحة والعدل للمجتمع البشري كله.
2- إخضاع الحاكم والمحكوم للسيادة التشريعية وقيمها الموضوعية؛ لتكون (السيادة العامة أو السلطة السياسية) تجسيدا لها، باعتبارها مناط المشروعية"([9]).
    ويقول الشيخ محمد الغزالي: "إن تجريد الدين من سلطانه وحرمانه من حقه في السيادة والحكم بدأ أول الأمر مع المسيحية، إذ إن الضرورات العملية جعلت المسيحية دينا ودولة، وإن كانت نصوصها العملية لا تذكر ذلك في جلاء وصراحة.
    ونحن نعذر رؤساء الدين المسيحي في سعيهم للحكم؛ لأننا نعرف أن الحكم في أيدي أعداء المسيحية –قديما عرض المسيحيين الأقدمين لفتن هائلة، إذ كانت الوثنية الحاكمة تقضي على الإنجيل وأتباعه، فمن حق هؤلاء أن يستخلصوا الحكم من أعدائهم وأن يستأثروا به في أيديهم.
    ومن ثم أصبح الباباوات حكاما بعد مراحل شتى من الاستيلاء على السلطة التنفيذية، غير أنهم أساءوا أبلغ الإساءة إلى العلم والخلق والحضارة، فكانت الثروة ضده عنيفة شاملة، ولم تستطع أوروبا أن تسير في موكب العمران والتقدم حتى تخلّت تماما عن كل إثارة لنفوذ رجال الدين.
    ولنفرض أن أوروبا أصرّت على فصل الدين عن الدولة؛ لأن تعاليم المسيحية لا تأبى ذلك، فمن الذي قال: إن المسيحية في ذلك كالإسلام! وإن القرآن كالإنجيل؟ إن مقارنة النصوص والدلائل هي الفيصل الحاكم على طبيعة كلتا الديانتين وهي ميسورة لكل ذي تفكير"([10]).
    هذا وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن الإسلام دين ودولة، ولم يخالف في هذا الرأي إلا الشيخ علي عبد الرزاق([11])، والأستاذ خالد محمد خالد([12])، واستدل الجمهور بالأدلة الآتية:
·   أولا: الآيات القرآنية الدالة على أن الإسلام دولة إلى جانب كونه عقيدة أو دينا([13])، كقوله تعالى: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا)([14])، وقوله عز وجلّ: (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا)([15]).
وجه الدلالة: إن الحكم بين الناس بإطلاق يشمل القيادة، والرياسة، كما يشمل القضاء، وفصل الخصومات، فهو حاكم سياسي وقاض بموجب تعاليم الكتاب العزيز، أي بالعدل([16]).
·   ثانيا: إن في قوله تعالى: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا)([17]) فيه حث على الأخذ بأمور الدنيا، وفيه جمع بين مصالح الدنيا والآخرة، إذ الجمع بينهما أصل من أصـــول الإسلام([18]).
·   ثالثا: لقد جاء الإسلام –القرآن والسنة بالكثير من الأحكام القانونية لتنظيم شؤون الحياة من أحكام مدنية، وجنائيه، وأحوال شخصية، ودولية، ودستورية...الخ، لذلك كان طبيعيا أن يعنى بإقامة دين ودولة؛ لتنفيذ تلك الأحكام([19])، وقد قال الله تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ)([20]).
·   رابعا: إن في الإسلام قواعد ومبادئ تتعلق بشؤون الحكم، تصلح لكل زمان ومكان، كمبادئ الشورى، والحرية، والعدالة، والتعاون...الخ([21])، وفي هذا دلالة على إن الدين الإسلامي والدولة أمران متلازمان.
·   خامسا: تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم الدالة على إن الإسلام دين ودولة، إذ من المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم معظم مهامّه في رئاسته العليا للدولة الإسلامية كانت سياسية، إلى جانب كونه رسولا مبلغا رسالة ربه، يقيم دين الله في الأرض([22]).
    يقول الإمام القرافي: "فما فعله صلى الله عليه وسلم بطريق الإمامة كقسمة الغنائم، وتفريق أموال بيت المال على المصالح، وإقامة الحدود، وترتيب الجيوش، وقتال البغاة، وتوزيع الإقطاعات في القــرى والمعادن([23]) ونحو ذلك، فلا يجوز لأحد الإقدام عليه إلا بإذن إمام الوقت الحاضر؛ لأنه صلى الله عليه وسلم إنما فعله بطريق الإمامة، وما استبيح إلا بإذنه، فكان ذلك شرعا مقررا لقوله تعالى: (وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)([24])"([25])، فمن تصرفاته صلى الله عليه وسلم الدالة على ذلك، نذكر منها([26]):
1-  تأسيسه صلى الله عليه وسلم لأول دولة في الإسلام، وذلك بعد هجرته من مكة إلى المدينة، إذ قام بأعمال كثيرة من أعمال الدولة.
2-  تصرفاته صلى الله عليه وسلم في تجييشه للجيوش، وتولّيه شؤون القتال والحرب والأسرى، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ)([27])، وقال تعالى: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ)([28])، وقال عز وجلّ: (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا)([29])، وقال صلى الله عليه وسلم: {مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ}([30])، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: {كَانَ نَاسٌ مِنْ الأَسْرَى يَوْمَ بَدْرٍ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِدَاءٌ، فَجَعَلَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِدَاءَهُمْ أَنْ يُعَلِّمُوا أَوْلادَ الأَنْصَارِ الْكِتَابَةَ، قَالَ: فَجَاءَ يَوْمًا غُلامٌ يَبْكِي إلَى أَبِيهِ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكَ قَالَ: ضَرَبَنِي مُعَلِّمِي، قَالَ: الْخَبِيثُ يَطْلُبُ بِذَحْلِ بَدْرٍ، وَاَللَّهِ لا تَأْتِيهِ أَبَدًا}([31]).
3-  تصرفاته صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالشؤون المالية، والحقوق الاجتماعية، يقول الله تعالى: (مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُم)([32]).
4-  تصرفاته  صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بشؤون المعاهدت وإبرامها، وعقد السلم إذا طلبه العدو استسلاما منه، قال الله تعالى: (وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)([33])، وقال عز وجلّ: (وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)([34]).
5- تصرفه صلى الله عليه وسلم في إحياء الأرض الميتة، قال صلى الله عليه وسلم: {مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ}([35])، وقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة هل هي من قبيل تصرفه صلى الله عليه وسلم بالإمامة أم تصرفه بالفتوى؟ على قولين([36]):
القول الأول: إن هذه المسألة من قبيل تصرفه صلى الله عليه وسلم بالإمامة، فللإمام من بعده أن يعيد النظر في السماح بذلك حسب المصلحة، ولا يجوز لأحد أن يحيي أرضا إلا بإذن الإمام، وذهب إلى هذا القول: الحنفية([37]).
القول الثاني: إن هذه المسألة من قبيل تصرفه صلى الله عليه وسلم بالفتوى؛ لأنه من غالب تصرفاته صلى الله عليه وسلم، إذ إن عامة تصرفاته التبليغ، فيحمل عليه، تغليبا للغالب الذي هو وضع الرسل –عليهم السلام فعلى هذا: لا يتوقف الإحياء على إذن الإمام؛ لأنها فتيا بالإباحة كالاحتطاب، والاحتشاش، بجامع تحيل الأملاك بالأسباب الفعلية، وذهب إلى هذا القول: المالكية([38])، والشافعية([39])، والحنابلة([40]).
6-   تصرفه صلى الله عليه وسلم في تقسيم ما افتتح عنوة من أراضي خيبر.
    إذ اختلف الفقهاء في هذه المسألة هل هي من قبيل تصرفه صلى الله عليه وسلم بالإمامة أم تصرفه بالفتوى؟ على قولين([41]):
القول الأول: إن هذه المسألة من قبيل تصرفه صلى الله عليه وسلم بالإمامة، فللإمام من بعده أن يجتهد في ذلك حسب المصلحة، وذهب إلى هذا القول: الحنفية، والمالكية.
القول الثاني: إن هذه المسألة من قبيل تصرفه صلى الله عليه وسلم بالفتوى؛ لاتباعه صلى الله عليه وسلم في ذلك نص كتاب الله تعالى، وذهب إلى هذا القول: الشافعية، والحنابلة.
·      سادسا: ما صرح به علماء الاستشراق بأن الإسلام دين ودولة، فمن أقوالهم([42]):
1-    يقول الدكتور "فتز جرالد" "Dr.fitzgerald ": ليس الإسلام دينا فحسب، ولكنه نظام سياسي أيضا.
2-    يقول الأستاذ "نللينو" "C.A.nallino": لقد أسس محمد في وقت واحد دينا ودولة.
3-  يقول الدكتور "ستشت" "Dr.schacht": على إن الإسلام يعني أكثر من دين، إنه يمثل نظريات قانونية وسياسية، وجملة القول إنه نظام كامل من الثقافة يشمل الدين والدولة معا.
4-  يقول الأستاذ "ستروثمان" "R.strothmann": الإسلام ظاهرة دينية، سياسية، إذ إن مؤسسه كان نبيا، وكان سياسيا حكيما أو رجل دولة.
5-    يقول السيد "توماس أرنو" "Sir.t.Arnold": كان النبي في نفس الوقت، رئيسا للدين ورئيسا للدولة.








([1]) محمد سلام مدكور، نظرية الإباحة، ص 317.
([2]) ملحوظة: بحثت عن هذا الأثر في كتب الأحاديث –على حدّ إطلاعي  ولم أجده، ووجدته في بعض المؤلفات مرويا عن عثمان بن عفان –رضي الله عنه منها:
ابن العربي، أحكام القرآن، ج 2 ص 208. ابن القيم الجوزيه، الطرق الحكميه، ص 223. ابن الأزرق، بدائع السلك في طبائع الملك، ج 1 ص 68، 107. القلعي، تهذيب الرياسة وترتيب السياسة، ص 95.
([3]) رضوان السيد، الإسلام والدولة في الأزمنة الحديثة، المجلة المغربية "مقدمات"، العدد (34)، ص 64. عبد الرحيم سلامه، مفهوم الدولة في الإسلام، مجلة "الإحياء"، العدد (9)، ص 142. عبد الكريم زيدان، الفرد والدولة في الشريعة الإسلامية، ص 14.

([4]) محمد سليم العوا، في النظام السياسي للدولة الإسلامية، ص 15.
([5]) رواه النسائي في (المجتبى من السنن): كتاب قطع يد السارق، باب الترغيب في إقامة الحد، حديث رقم (4904)، وعلق عليه الشيخ الألباني: إسناده حسن بلفظ أربعين. وعلق عليه شعيب الأرنؤوط في مسند الإمام أحمد: إسناده ضعيف.
([6]) نقل مختصرا: القرضاوي، الحل الإسلامي فريضة وضرورة، ص 90 94.
([7]) محمد عرفة، مدى السلطة الشرعية للحاكم المسلم في تغيير الحكم الشرعي من الإباحة وإليها، ص 7.
([8]) محمد سلام مدكور، نظرية الإباحة، ص 317.
([9]) الدريني، خصائص التشريع الإسلامي في السياسة والحكم، ص 182.
([10])  بتصرف يسير، انظر: محمد الغزالي، من هنا نعلم، ص 50 52.
([11]) علي عبد الرزاق: أحد قضاة المحاكم الشرعية ووزير الأوقاف سابقا لجمهورية مصر العربية، إذ ادعى دعوى لم يقل بها أحد طوال التاريخ الإسلامي كله، وهي: إن الإسلام دين لا دولة، وذلك من خلال كتابه الوحيد فيما نعلم "الإسلام وأصول الحكم" الذي ألفه سنة 1925 م، إذ أحدث هذا الكتاب ضجة كبرى في العالم الإسلامي بصفة عامة، وفي جمهورية مصر بصفة خاصة، وقد هوجم هذا الكتاب من كل ناحية، وردّ عليه أكثر من عالم مسلم، منهم:
الشيخ محمد بخيت المطيعي مفتي مصر في زمانه في كتاب: "حقيقة الإسلام وأصول الحكم" طبع في القاهرة سنة 1344هـ 1926م، وشيخ الأزهر محمد الخضر حسين في كتاب: "نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم" طبع في القاهرة بالمطبعة السلفية سنة 1344هـ 1926م، وردّ عليه أيضا العلامة الطاهر محمد بن عاشور في كتابه: "نقد علمي لكتاب الإسلام وأصول الحكم".
ولمزيد من الإطلاع على الأدلة التي أستدل بها الشيخ علي عبد الرزاق والردّ عليها.
 محمد عمارة، دراسة ووثائق لكتاب "الإسلام وأصول الحكم لعلي عبد الرزاق"، ص 5 110. محمد سلام مدكور، نظرية الإباحة، (بالهامش) ص 318 319. القرضاوي، السياسة الشرعية، ص 20 21. عبد الحميد متولي، مبادئ نظام الحكم في الإسلام، ص 92 103. محمد سليم العوا، في النظام السياسي للدولة الإسلامية، ص 84 95.
([12]) خالد محمد خالد: أحد علماء الأزهر الشريف، إذ ألف كتابا بعد ربع قرن من تأليف علي عبد الرزاق لكتابه تحت عنوان: "من هنا نبدأ" وتبنى فيه رأي الشيخ علي عبد الرزاق، إلا أنه رجع عن أفكاره وألف كتابا آخر بعنوان: "الدولة في الإسلام" مبينا فيه موقف الإسلام من الدولة، ومتبرئا بصراحة مما كتب من قبل.
القرضاوي، السياسة الشرعية، ص 22.
([13]) عبد الحميد متولي، مبادئ نظام الحكم في الإسلام، ص 98. . محمد سلام مدكور، نظرية الإباحة، (بالهامش) ص 319.
([14]) سورة النساء: الآية (65).
([15]) سورة النساء: الآية (105).
([16]) الدريني، خصائص التشريع الإسلامي في السياسة والحكم، (بالهامش) ص 181.
([17]) سورة القصص: من الآية (77).
([18]) عبد الحميد متولي، مبادئ نظام الحكم في الإسلام، ص 96 97.
([19]) عبد الحميد متولي، مبادئ نظام الحكم في الإسلام، ص 97. محمد المبارك، نظام الإسلام "الحكم والدولة"، ص 12 13.
([20]) سورة المائدة: الآية (50).
([21]) عبد الحميد متولي، مبادئ نظام الحكم في الإسلام، ص 97 98.
([22])  القرافي، الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام، ص 99 100. الغزالي، من هنا نعلم، ص 79 82. الدريني، خصائص التشريع الإسلامي في السياسة والحكم، (بالهامش) ص180181. البوطي، ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية، ص 151. سعد الدين العثماني، تصرفات الرسول r بالإمامة، مجلة "إسلامية المعرفة" العدد (24)، ص 11 54.
([23]) ملحوظة: من خلال المقارنة لكتاب القرافي لأكثر من طبعة وجدت اختلافا لتلك العبارة، ففي طبعة مكتبة المطبوعات الإسماعيلية بحلب، تحقيق عبد الفتاح أبوغدة صفحة (108) بعبارة: "في القرى والمعادن"، بينما في طبعة المكتب الثقافي بالقاهرة، تحقيق أبو بكر عبد الرازق صفحة (56)، وأيضا في طبعة دار الكتب العلمية، تحقيق أحمد فريد المزيدي صفحة (31) بعبارة: "في الأراضي والمعادن"، وقد ذكر ابن فرحون في كتابه "تبصرة الحكام" نقلا عن القرافي بتصرف يسير في الجزء الأول صفحة (18) بعبارة: "وتوزيع الإقطاعات وإقطاع المعادن".
([24]) سورة الأعراف: من الآية (158).
([25]) القرافي، الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام، ص 108.
([26]) الدريني، خصائص التشريع الإسلامي في السياسة والحكم، (بالهامش) ص 180181.
([27]) سورة الأنفال: من الآية (65).
([28]) سورة الأنفال: من الآية (67).
([29]) سورة محمد: من الآية (4).
([30]) رواه مسلم في (الصحيح): كتاب الإمارة، باب استحباب طلب الشهادة في سبيل الله، حديث رقم (1910).
([31]) رواه الإمام أحمد في (المسند): حديث رقم (2216)، وعلق عليه شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن.
([32]) سورة الحشر: من الآية (7).
([33]) سورة النحل: الآية (91).
([34]) سورة الأنفال: الآية (61).
([35]) رواه الإمام أحمد في (المسند): حديث رقم (14677)، وعلق عليه شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
([36]) القرافي، الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام، ص 111.
([37]) السرخسي، المبسوط، ج 3 ص 16 17. الكاساني، بدائع الصنائع، 194 195.
([38]) ملحوظة: فرّق المالكية في إحياء الأرض الميتة بقربها أو بعدها من العمران، فقالوا: إذا كانت الأرض الميتة بعيدة من العمران فله أن يحييها ولو بغير إذن الإمام، وأما إذا كانت قريبة من العمران فلا يحييها إلا بإذن الإمام.
    يقول القرافي: "وأما قول مالك: ما قرب من العمران لا بد فيه من إذن الإمام، فليس لأنه تصرف بطريق الإمامة، بل لقاعدة أخرى، وهي أن أحياء ما قرب يحتاج إلى النظر في تحرير حريم البلد، فهو كتحرير الإعسار في فسخ النكاح، وكل ما يحتاج لنظر وتحرير فلا بد فيه من الحكام".
انظر: الباجي، المنتقى شرح الموطأ، ج 6 ص 26 28. الخرشي، الخرشي على مختصر سيدي خليل، ج 7 ص 69. القرافي، الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام، ص 111.
([39]) الإمام الشافعي، الأم، ج 7 ص 243 244. زكريا الأنصاري، أسنى المطالب، ج 2 ص 444 445.
([40]) ابن قدامة، المغني، ج 5 ص 347. البهوتي، كشاف القناع، ج 4 ص 186.
([41]) البوطي، ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية، ص 151.
([42]) محمد الريس، النظريات السياسية الإسلامية، ص 28 29.
التعليقات
0 التعليقات
جميع الحقوق محفوضة@2015 : د.حسن بن جازي الحويطات