(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)

السبت، يناير 30، 2016

الدكتوراه



قاعدة
"حكم الحاكم يرفع الخلاف"
وتطبيقاتها في الفقه الإسلامي
إعداد
حسن محمد الجازي




أعضاء لجنة المناقشة                                 
د. عبد الحميد عشاق.              (مشرفاً ورئيساً)      
د. محمد الروكي.                        (عضواً)           
د. عبد السلام فيغو.                     (عضواً)               
د. أحمد العمراني.                       (عضواً)



قدمت هذه الأطروحة للحصول على درجة الدكتوراه في العلوم الإسلامية وحدة التكوين والبحث: "قواعد أصول الفقه وضوابطه في تفسير نصوص الشريعة" من مؤسسة دار الحديث الحسنية في المملكة المغربية- الرباط.
نوقشت وأوصي بإجازتها بتاريخ: 14 جمادى الثانية 1430هـ، 8 أيلول 2009م.


..............................
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي المبعوث رحمة للعالمين، ورضي الله عن صحابته أجمعين، وبعد:فإن الدين الإسلامي رسالة شاملة ومنهج حياة للناس، بعث الله تعالى به المرسلين مبشرين ومنذرين ليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور، ومن الضلالة إلى الهداية، وليسلكوا سبل الفوز في الدنيا والآخرة، وإن الاشتغال بالعلم من علامات السعادة ودلائل النجاة، لا سيما إذا أوصل صاحبه إلى الله، وقربه من رضاه، وحال بينه وبين غضبه، وباعد عن عقابه، وإن من أفضل العلوم وأعلاها قدرا، وأجلها نفعا، وأكثرها بركة، علم الفقه ومعرفة الأحكام، قال النبي -r-: {مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ}[1].
إن دراسة علم القواعد الفقهية، تعدّ من الأمور الهامة في مجال الفقه الإسلامي، خصوصا للحاكم والمفتي والقاضي، إذ به تتدرب النفوس على مآخذ الظنون ومدارك الأحكام، وهي الطور الأخير من أطوار الفقه الإسلامي، فهي خلاصة الشريعة، وثمرة الفقه الإسلامي، فجمعت محاسن الفقهاء المتقدمين وخلاصة عقول الراسخين في العلم.ومن هنا اكتسبت القواعد الفقهية أهميتها، فهي الوسيلة المنضبطة التي تكفل لنا جمع فروع الفقه وجزئياته، وتخريجها على أصولها وإلحاقها بكلياتها، ولا أجد ما يمثل أهمية ومكانة القواعد الفقهية خير تمثيل، من كلام الإمام القرافي -رحمه الله تعالى- في مقدمة كتابه "الفروق" حيث قال: "فإن الشريعة المعظمة المحمدية زاد الله تعالى منارها شرفا وعلوا اشتملت على أصول وفروع، وأصولها قسمان:أحدهما: المسمى بأصول الفقه وهو في غالب أمره ليس فيه إلا قواعد الأحكام الناشئة عن الألفاظ العربية خاصة وما يعرض لتلك الألفاظ من النسخ والترجيح ونحو الأمر للوجوب والنهي للتحريم والصيغة الخاصة للعموم ونحو ذلك وما خرج عن هذا النمط إلا كون القياس حجة وخبر الواحد وصفات المجتهدين.والقسم الثاني: قواعد كلية فقهية جليلة كثيرة العدد عظيمة المدد مشتملة على أسرار الشرع وحكمه، لكل قاعدة من الفروع في الشريعة ما لا يحصى ولم يذكر منها شيء في أصول الفقه، وإن اتفقت الإشارة إليه هنالك على سبيل الإجمال فبقي تفصيله لم يتحصل، وهذه القواعد مهمة في الفقه عظيمة النفع وبقدر الإحاطة بها يعظم قدر الفقيه، ويشرف ويظهر رونق الفقه ويعرف وتتضح مناهج الفتاوى وتكشف، فيها تنافس العلماء وتفاضل الفضلاء، وبرز القارح على الجذع وحاز قصب السبق من فيها برع، ومن جعل يخرج الفروع بالمناسبات الجزئية دون القواعد الكلية تناقضت عليه الفروع واختلفت وتزلزلت خواطره فيها واضطربت، وضاقت نفسه لذلك وقنطت، واحتاج إلى حفظ الجزئيات التي لا تتناهى وانتهى العمر ولم تقض نفسه من طلب مناها ومن ضبط الفقه بقواعده استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات لاندراجها في الكليات، واتحد عنده ما تناقض عند غيره وتناسب، وأجاب الشاسع البعيد وتقارب وحصل طلبته في أقرب الأزمان وانشرح صدره لما أشرق فيه من البيان فبين المقامين شأو بعيد وبين المنزلتين تفاوت شديد"[2].فالقواعد الفقهية ثمرة النظر الكلي في المناسبات والفروع الجزئية، ليتمكن الفقيه عن طريقها أن يضع تصور شمولي يسّهل عليه استخلاص الحكم المقنع الذي يرفع الخلاف، ويكون أقرب إلى الحق والصواب من ذلك الذي ينتهي إليه عند قصر النظر على الجزيئات والفروع المنفصلة عن الموضوع العام.وعليه؛ فإن ظهور القواعد الفقهية كان خطوة نحو الدراسة النظرية المنهجية للفقه، بمعنى تكوين النظريات التي تشخص معالم التصور الإسلامي إزاء الموضوع الذي تنظمه، لتأتي بعد ذلك الأحكام الجزئية منسجمة ومتلازمة مع هذا التصور.وانطلاقا من ذلك جاء اختيار الباحث إحدى القواعد الفقهية الهامة التي تعنى بقطع دابر الخلاف بين كافة فئات المجتمع (فقهائهم وعوامهم، وحكامهم ومحكوميهم) من خلال إصدار الحكم ممن هو أهل له، وفق ضوابط وشروط تدل على مرونة الفقه الإسلامي وقدرته على التعامل مع المشكلات والقضايا المستجدة.فالقاعدة التي نحن بصددها عظيمة القدر شديدة الخطر؛ لأن من جملة معانيها ضرورة تقنين الفقه الإسلامي، لتيسير أمور الحكم، ونبذ الخلاف، ورفع النزاع، وإقامة العدل، إذ إن الحاكم إذا اختار رأيا من الآراء الاجتهادية المختلف فيها في الشريعة ولو كان مرجوحا، يرتفع به النزاع بين الناس ويلزمهم العمل بالقول الذي اختاره وارتضاه، وبذلك يجنّب الأمة انقسام الآراء، وانحياز كل إلى رأيه.ونحن ندرك في هذا العصر أهمية رفع الخلاف بين مختلف فئات الأمة الإسلامية، لأننا ذقنا وما زلنا مرارة الفرقة والانقسام، وهو السبب ذاته الذي دعا الفقهاء في العصور السالفة إلى المناداة بهذه القاعدة لتكون ركيزة ينطلق منها الفقيه وغيره نحو لم الشمل وجمع الكلمة وتوحيد الفتوى.ومن هنا ارتأت الدولة الإسلامية العثمانية في أواخر القرن الثالث عشر من الهجرة، إصدار مجلة الأحكام العدلية التي تعتبر أول دستور قانوني في الإسلام، صاغها كبار الفقهاء في ذلك العصر على المذهب الحنفي؛ لجمع الكلمة على فتوى واحدة تمنع الاختلاف في الفتوى والقضاء، وتمنع الفوضى في الأحكام.إشكالية البحث:إن الأهمية العظيمة التي تضطلع بها القاعدة محل البحث، تنبع من كونها جاءت نتيجة ظروف كثيرة أدرك الفقهاء من خلالها أهمية نبذ الخلاف ورفعه؛ لأن الخلاف هو الذي أوصل أمتنا إلى هذا التمزق والانقسام والتشتت في كل شيء تشبثا بحتمية الخلاف ومشروعيته، ولعل تعدد القضاة على مذاهب فقهية مختلفة في البلد الواحد، أدى إلى اختلاف الأحكام وتناقض الأقضية، مما نتج عنه ظهور هذه القاعدة، سعيا لتوحيد الأحكام، ونبذ الفرقة والانقسام.ومن هنا رأى الباحث أن يسبر أغوار هذه القاعدة الهامّة لبيان أهمية الحكم، وضرورة الحاكم، والوسائل الصحيحة للوصول إلى الحكم المبني على فهم الواقع، وضرورة إعادة قراءة النصوص قراءة معاصرة بما يتفق مع المعارف الحديثة، وفهم ظروف العصر الراهن ومستجداته، للوصول إلى الأسلوب الأمثل لحل مشاكله، وفض نزاعاته، بما لا يتناقض مع مبادئ الشرع الحنيف ومقاصده، فجاءت هذه الدراسة لبحث إشكالية مدى تطور القاعــــــدة -محل البحث- وأحكامها في الفقه الإسلامي، وما يمكن أن تقدمه من حلّ يساعد على رفع الخلاف، ويساعد على مواكبة التطور في شكل الدولة الحديثة، القائمة على مؤسسات منضبطة تشريعيا وتنفيذيا وقضائيا.


ويمكن تلخيص أهم إشكالات البحث من خلال استنباط الإجابة عن التساؤلات الآتية:
  1. ما مفهوم "القاعدة الفقهية" عند الفقهاء المتقدمين والمحدثين؟
  2. ما المراد من قاعدة "حكم الحاكم يرفع الخلاف"، وما الغرض من وضعها؟
  3. ما الظروف التي ساهمت في اعتماد القاعدة عند الفقهاء المتقدمين؟
  4. من الحاكم الذي يرفع الخلاف، وما صفاته، وما حكم طاعته؟
  5. ما مفهوم حكم الحاكم، وما مجالات الحكم الذي يرتفع به الخلاف، وما دور الحاكم في الأحكام الاجتهادية وتقييده للمباح؟
  6. ما الفرق بين حكم الحاكم، وحكم القاضي، والمفتي؟
  7. ما أهم التطبيقات الفقهية للقاعدة عند الفقهاء المتقدمين والمحدثين؟
  8. ما المقصود من رفع الخلاف، وكيف يتم ذلك؟
  9. من أهل الحل والعقد، وما صفاتهم، وما دورهم في رفع الخلاف؟
  10. ما الآلية عند أهل الحل والعقد في رفع الخلاف، وما دور الاجتهاد الجماعي في ذلك؟
  11. من الذي يرفع الخلاف في العصر الحديث، وما المقصود من تقنين الفقه الإسلامي، وما مدى مشروعيته، وما أهميته في رفع الخلاف؟
تم تقسيم الاطروحة إلى فصل تمهيدي وبابين وخاتمة، على النحو الآتي:
المقدمة.

الفصل التمهيدي: شرح مصطلحات عنوان الكتاب.

المبحث الأول: مفهوم القاعدة الفقهية.
المطلب الأول: مفهوم القاعدة الفقهية باعتبارها مركبا إضافيا.
المطلب الثاني: مفهوم القاعدة الفقهية باعتبارها علما.
المبحث الثاني: مفهوم الحاكم والحكم ورفع الخلاف.
المطلب الأول: مفهوم الحاكم.
المطلب الثاني: مفهوم الحكم.
المطلب الثالث: الفرق بين حكم الحاكم وحكم القاضي والمفتي.
المطلب الرابع: مفهوم رفع الخلاف.
الباب الأول: الحاكم والحكم الذي يرتفع به الخلاف.
الفصل الأول: الحاكم الذي يرتفع به الخلاف.
المبحث الأول: الحاكم الوارد في القاعدة.
المطلب الأول: مفهوم الحاكم عند الفقهاء المتقدمين.
المطلب الثاني: أمثلة تطبيقية للقاعدة عند الفقهاء المتقدمين.
المطلب الثالث: مفهوم الحاكم عند الفقهاء المحدثين.
المبحث الثاني: إقامة الحاكم المسلم وطاعته.
المطلب الأول: وجوب إقامة الحاكم.
المطلب الثاني: طاعة الحاكم.
المطلب الثالث: شروط وضوابط طاعة الحاكم.
المبحث الثالث: صفات الحاكم الذي يرفع الخلاف.
المطلب الأول: شروط الحاكم المتفق عليها.
المطلب الثاني: شروط الحاكم المختلف فيها.
الفصل الثاني: الحكم الذي يرتفع به الخلاف.
المبحث الأول: مجالات الحكم الذي يرتفع به الخلاف.
المطلب الأول: مجالات الخلاف.
المطلب الثاني: الخلاف في الأحكام الاجتهادية وتقييد المباح.
المطلب الثالث: دور الحاكم في الأحكام الاجتهادية وتقييده للمباح.
المبحث الثاني: تغير الحكم الاجتهادي.
المطلب الأول: مفهوم تغير الحكم الاجتهادي.
المطلب الثاني: الأدلة على تغير الأحكام تبعا لتغير عواملها.
المبحث الثالث: عوامل تغير الحكم الاجتهادي ودور الحاكم فيها.
المطلب الأول: تغير الحكم تبعا لتغير المصلحة.
المطلب الثاني: تغير الحكم تبعا لتغير علته أو حكمته.
المطلب الثالث: تغير الحكم تبعا لتغير العرف.المطلب الرابع: دور الحاكم في تغير الحكم الاجتهادي.
الباب الثاني: أهل الحل والعقد والآلية في رفع الخلاف.
الفصل الأول: أهل الحل والعقد ومجالات أعمالهم.
المبحث الأول: أهل الحل والعقد: مفهومهم، وصفاتهم، ومشروعية مشورة الحاكم لهم.
المطلب الأول: التعريف بأهل الحل والعقد.
المطلب الثاني: صفات أهل الحّل والعقد.
المطلب الثالث: مشروعية مشورة الحاكم لأهل الحلّ والعقد.
المبحث الثاني: مجالات عمل أهل الحل والعقد.
المطلب الأول: مجالات عمل أهل الشورى العامة.
المطلب الثاني: مجالات عمل أهل الشورى الخاصة.
المطلب الثالث: مدى إلزامية الشورى للحاكم.
الفصل الثاني: آلية أهل الحل والعقد في رفع الخلاف.
المبحث الأول: الاجتهاد الجماعي.
المطلب الأول: مفهوم الاجتهاد الجماعي وأهميته في رفع الخلاف.
المطلب الثاني: مشروعية الاجتهاد الجماعي وشروطه.
المبحث الثاني: تقنين أحكام الفقه الإسلامي.
المطلب الأول: مفهوم تقنين الأحكام وأطواره التاريخية.
المطلب الثاني: مشروعية تقنين الأحكام.
الفصل الثالث: نماذج تطبيقية لقاعدة "حكم الحاكم يرفع الخلاف".
المبحث الأول: التطبيقات الفقهية في أحكام العبادات.
المطلب الأول: منع دفع الزكاة للمؤلفة قلوبهم.
المطلب الثاني: زيادة الأذان الثاني يوم الجمعة.
المطلب الثالث: إتمام صلاة الحاج المسافر في منى.
المطلب الرابع: الأذان والإقامة في صلاة العيدين، وتقديم الخطبة عليهما.
المبحث الثاني: التطبيقات الفقهية في أحكام المعاملات.
المطلب الأول: التقاط ضوال الإبل.
المطلب الثاني: نقل الدية من العاقلة إلى أهل الديوان.
المطلب الثالث: منع المسلم الزواج من الكتابية.
المطلب الرابع: تقييد الحاكم للحرية العامة في التنقل.
المطلب الخامس: عدم تقسيم الأراضي التي فتحت عنوة بين المقاتلين.
المطلب السادس: الاقتصاص من الجماعة بقتلهم الواحد.
المطلب السابع: شفعة الجوار.
المطلب الثامن: إيقاع الطلاق الثلاث بلفظة واحدة.
المطلب التاسع: الزيادة في عقوبة شارب الخمر.
الخاتمة.









[1] رواه البخاري في (الجامع المسند الصحيح): كتاب العلم، باب من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، حديث رقم (71)، ج 1 ص 39.
[2] القرافي، الفروق، ج 1 ص 2- 3.
التعليقات
0 التعليقات
جميع الحقوق محفوضة@2015 : د.حسن بن جازي الحويطات