(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)

السبت، يناير 30، 2016

خطورة سب الذات الإلهية

إن سبّ الذات الإلهية أو الدين أو الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من أعظم الكبائر وأشد المنكرات، ولتوضيح خطورة هذا الموضوع نبين فيه الأحكام الآتية:
حكم سب الله تعالى أو الدّين والملّة:


اتفق الفقهاء على أن من سب الله تعالى كفر, سواء كان مازحاً أو جاداً أو مستهزئاً[1]، وقد قال تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُم لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُل أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُم تَسْتَهْزِئُونَ * لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمانِكُم)[2]، كما اتفق الفقهاء على أن من سبّ ملة الإسلام أو دين المسلمين يكون كافراً[3]، يقول العلامة عُليش من المالكية: "يقع كثيراً من بعض شغلة العوام كالحمّارة والجمّالة والخدّامين سبّ الملة أو الدّين، وربما وقع من غيرهم، وذلك أنه أن قصد الشريعة المطهرة، والأحكام التي شرعها الله تعالى لعباده على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم فهو كافر قطعاً، ثم أن أظهر ذلك فهو مرتد"[4].
حكم سب الرسول صلى الله عليه وسلم:
السبّ هو الكلام الذي يُقصد به الانتقاد والاستخفاف، وهو ما يُفهَم منه السب في عقول الناس على اختلاف اعتقاداتهم كاللعن والتقبيح، وحكم سابّه صلى الله عليه وسلم أنه مرتد بلا خلاف[5].
ويعتبر سابّاً له صلى الله عليه وسلم كل من ألحق به صلى الله عليه وسلم عيباً أو نقصاً، في نفسه، أو نسبه، أو دينه، أو خصلة من خصاله، أو ازدراه، أو عَرّض به، أو لعنه، أو شتمه، أو عابه، أو قذفه، أو استخف به، ونحو ذلك[6]، وكذا سب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في الحكم كحكم سبّ الرسول صلى الله عليه وسلم[7].
توبة سابّ الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم:
قال الحنفية بقبول توبة سابّ الله تعالى، وكذا الحنابلة، مع ضرورة تأديب السابّ وعدم تكرر ذلك منه ثلاثاً، وفي المذهب المالكي خلاف، والراجح عندهم قبول توبته، وهو رأي ابن تيمية.
أما ساب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ذهب الحنفية والحنابلة إلى قبول توبته، وقال الشافعية: تقبل توبة قاذفه صلى الله عليه وسلم على الأصح، وقال أبو بكر الفارسي: يقتل حداً ولا يسقط بالتوبة، وقال الصيدلاني: يجلد ثمانين جلدة؛ لأن الردة ارتفعت بإسلامه وبقي جلده، وفي قول عند الحنابلة: لا تقبل توبته. وقال المالكية: من شتم نبياً مجمعاً على نبوته بقرآن أو نحوه فإنه يُقْتَل ولا تُقْبَل توبته؛ لأن كفره يشبه كفر الزنديق، ويُقْتَل حدّاً لا كفراً أن قُتِل بعد توبته؛ لأن قتله حينئذ لأجل ازدرائه لا لأجل كفره[8].
أثر الردة على الزواج:
اتفق الفقهاء على أنه إذا ارتد أحد الزوجين حيل بينهما، فلا يقربها بخلوة ولا جماع ولا نحوهما، ثم قال الحنفية: إذا ارتد أحد الزوجين المسلمين بانت منه امرأته، مسلمة كانت أو كتابية، دخل بها أو لم يدخل؛ لأن الردة تنافي النكاح، ويكون ذلك فسخاً عاجلاً لا طلاقاً، ولا يتوقف على قضاء، ثم أن كانت الردة قبل الدخول وكان المرتد هو الزوج فلها نصف المهر المسمى أو المتعة، وإن كانت هي المرتدة فلا شيء لها، وإن كان بعد الدخول فلها المهر كله، سواء كان المرتد الزوج أو الزوجة[9].
وقال المالكية في المشهور: إذا ارتد أحد الزوجين المسلمين كان ذلك طلقة بائنة، فإن رجع إلى الإسلام لم ترجع له إلا بعقد جديد، ما لم تقصد المرأة بردتها فسخ النكاح، فلا ينفسخ؛ معاملة لها بنقيض قصدها، وقيل: أن الردة فسخ بغير طلاق[10].
وقال الشافعية: إذا ارتد أحد الزوجين المسلمين فلا تقع الفرقة بينهما حتى تمضي عدة الزوجة قبل أن يتوب ويرجع إلى الإسلام، فإذا انقضت بانت منه، وبينونتها منه فسخ لا طلاق، وإن عاد إلى الإسلام قبل انقضائها فهي امرأته[11].
وقال الحنابلة: إذا ارتد أحد الزوجين قبل الدخول انفسخ النكاح فوراً وتأخذ نصف مهرها أن كان الزوج هو المرتد، ويسقط مهرها أن كانت هي المرتدة، ولو كانت الردة بعد الدخول ففي رواية تنجز الفرقة، وفي أخرى تتوقف الفرقة على انقضاء العدة[12].
أثر الردة في إحباط العمل:
قال الله تعالى: (وَمنْ يَرْتَدِدْ منْكُم عَنْ دِينِهِ فَيَمتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُم فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُم فِيهَا خَالِدُونَ)[13]، قال أهل اللغة: أصل الحَبَط أن تأكل الإبل شيئاً يضرها فتعظم بطونها فتهلك، وفي الحديث: {إِنَّ كُلَّ ما يُنْبِتُ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ حَبَطًا}[14]، فسمى بطلان الأعمال بهذا لأنه كفساد الشيء بسبب ورود المفسد عليه، وقيل في معنى إحباط العمل: إنه أتى بعمل ليس فيه فائدة، بل فيه مضرة، أو إنه تبين أن أعماله السابقة لم يكن معتداً بها شرعاً[15].
وقال الحنفية: بأن الحبوط يكون بإبطال الثواب دون الفعل، وقد ذهب الحنفية والمالكية، إلى أن مجرد الردة يوجب الحبط، مستدلين بقوله تعالى: (وَمنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَملُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ منَ الْخَاسِرِينَ)[16]، أما الشافعية فقالوا: أن الوفاة على الردة شرط في حبوط العمل، أخذاً من قوله تعالى: (... فَيَمتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُم فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ ... )[17]، فإن عاد إلى الإسلام فقد صرح الشافعية بأنه يحبط ثواب العمل فقط، ولا يطالب بالإعادة إذا عاد إلى الإسلام ومات عليه[18].
ذبائح المرتد:
ذبيحة المرتد لا يجوز أكلها؛ لأنه لا ملة له، ولا يُقَرُّ على دين انتقل إليه، حتى ولو كان دين أهل الكتاب[19].
أثر الردة على العبادات[20]:
1- تأثير الردة على الصلاة والصوم والزكاة: ذهب الحنفية والمالكية إلى عدم وجوب قضاء الصلاة التي تركها أثناء ردته؛ لأنه كان كافراً، وإيمانه يَجُبُّهَا، وذهب الشافعية إلى وجوب القضاء، ونُقِل عن الحنابلة القضاء وعدمه، والمذهب عندهم عدم وجوب القضاء، فإن كان على المرتد الذي تاب صلاة فائتة قبل ردته أو صوم أو زكاة فهل يلزمه القضاء؟ ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى وجوب القضاء؛ لأن ترك العبادة معصية، والمعصية تبقى بعد الردة، وخالف المالكية في ذلك، وحجتهم أن الإسلام يَجُبُّ ما قبله، وهو بتوبته أسقط ما قبل الردة.
2- تأثير الردة على الحج: يجب على من ارتد وتاب أن يعيد حجه عند الحنفية والمالكية، وذهب الشافعية إلى أنه ليس على من ارتد ثم تاب أن يعيد حجه، أما الحنابلة فالصحيح من المذهب عندهم أنه لا يلزمه قضاؤه، بل يجزئ الحج الذي فعله قبل ردته.
قتل المرتد:
اتفق الفقهاء على أنه إذا ارتد مسلم وكان مستوفياً لشرائط الردة[21] أُهدِرَ دمه، والذي يقوم بالقتل هو الحاكم أو نائبه، ولا يجوز لأحد من المسلمين غير الحاكم القاضي أو نائبه قتله؛ لأنه افتات على حق الإمام؛ لأن إقامة الحد له، فإذا قُتِل المرتد على ردته فلا يغسّل ولا يصلّى عليه ولا يدفن مع المسلمين[22].
تعليمات القوات المسلحة الأردنية في سب الذات الإلهية:
حرصاً من قواتنا المسلحة الأردنية الباسلة على سمعتها الطيبة وتحصين منتسبيها من الجنايات والجنح والرذائل نص قانون العقوبات العسكري في المادة (5) الفقرة (هـ) والمادة (89) الفقرة (جـ) من قانون خدمة الأفراد على أنه يتم تسريح كل من يرتكب أحد الجنايات أو الجنح التالية: (السرقة، الاحتيال، الاختلاس، التزوير، الرشوة، إساءة الائتمان، الشهادة الكاذبة).
إضافة إلى ما سبق، وبناءً على توجيهات معالي رئيس هيئة الأركان المشتركة يتم تسريح كل من يرتكب إحدى الجنايات التالية: (شتم الذات الإلهية، السُّكْر، الزنا، هتك العرض، القيام بالأعمال المنافية للحياء، اللواط، إطلاق النار، المخدرات...) وغيرها من التهم التي تسيء لسمعة القوات المسلحة الأردنية.
والحمد لله رب العالمين






[1] المغني لابن قدامة (8/565). نيل الأوطار للشوكاني ( 8/194، 195).
[2] سورة التوبة: الآية 65،66.
[3] حاشية ابن عابدين (4/ 230). فتاوى الرملي هامش الفتاوى الكبرى الفقهية (4/ 20). فتح العلي المالك لعليش (2/ 347).
[4] فتح العلي المالك لعليش لعليش 2/6، 347، 348.
[5] فتاوى السبكي 2/573. الصارم المسلول على شاتم الرسول لابن تيمية ص566.
[6] السيف المسلول لمحسن القليصي ص79.
[7]  حاشية بن عابدين (4/ 235). السيف المشهور للسبكي ورقة (2).  الشامل في فقه الإمام مالك لأبي البقاء  (2/ 919). الصارم المسلول على شاتم الرسول لابن تيمية ص 570. القليوبي (4/ 175).
[8] المغني لابن قدامة (8/565).  حاشية ابن عابدين (4/232، 233). الصارم المسلول على شاتم الرسول لابن تيمية (527، 550). شرح مختصر خليل للخرشي ( 8/71).
[9] بدائع الصنائع للكاساني (7/136). المبسوط للسرخسي (5/49).
[10] حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (2/270).
[11] الأم للإمام الشافعي  (6/149، 150).
[12] المغني لابن قدامة (8/99).
[13] سورة البقرة: الآية 217.
[14] رواه مسلم، كتاب: الكسوف، باب: تخوف ما يخرج من زهرة الدنيا، حديث (1052). ومعنى الحَبَط: أي التخمة.
[15] لسان العرب لابن منظور (7/269). تفسير الرازي (3/271).
[16] سورة المائدة: الآية 5.
[17]سورة البقرة: الآية 217.
 [18]المغني لابن قدامة (1/115،239). مغني المحتاج للخطيب الشربيني (5/427). حاشية ابن عابدين (4/400. تفسير القرطبي (3/47، 48).
[19] رد المحتار لابن عابدين (4/249). المدونة للإمام مالك (2/116). الأم للإمام الشافعي (6/177). الإنصاف للمرداوي (10/389).
[20] رد المحتار لابن عابدين (2/75). حاشية الدسوقي (4/307). المجموع للنووي (3/6، 7/14). الإنصاف للمرداوي (3/388).
[21] من شروط إقامة الحد على المرتد: أن يكون حال ردته بالغاً، عاقلاً، مختاراً، وتم استتابته ثلاثاً ولم يتب، ولا يوجد تأويل لردته.
بدائع الصنائع للكاساني (7/135). ونهاية المحتاج للرملي (7/414). والمغني لابن قدامة (9/16).
[22] المبسوط للسرخسي (10/106). الأم للإمام الشافعي (6/154). كفاية الأخيار (2/204). الإنصاف للمرداوي  (9/462). الهداية لأبي الخطاب ص203. الشامل في فقه الإمام مالك لأبي البقاء  (2/916).
التعليقات
0 التعليقات
جميع الحقوق محفوضة@2015 : د.حسن بن جازي الحويطات