(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)

السبت، يناير 30، 2016

المذهب الشافعي الجديد (سماته وأهم علمائه)

   الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي المبعوث رحمة للعالمين، ورضي الله عن صحابته أجمعين، وبعد:
   فمن المعلوم أن الأحكام الشرعية منها ما هو ثابت لا يخضع للتبديل ولا للتغيير كالأحكام التي دلّت عليها نصوص قطعية الثبوت والدلالة معا، أو الأحكام الثابتة بالإجماع، أو ما عُلِم من الدين بالضرورة، ومنها ما هو قابل للتبديل والتغيير، كالأحكام الشرعية التي يسوغ فيها الاجتهاد، والمذهب الشافعي يعتبر من المذاهب الفقهية الذي تفرد عن بقية المذاهب بتسمية المذهب بما يعرف: بالمذهب القديم والمذهب الجديد، ولمعرفة المذهب الشافعي الجديد ومكانه ومدته الزمنية وأسباب نشوءه وتلاميذه، سنتكلم عنه ضمن المطالب الآتية:


المطلب الأول: التعريف بالمذهب الجديد.
   يطلق فقهاء الشافعية وخصوصا المؤلفين على اجتهادات الإمام الشافعي بالقول القديم والقول الجديد أو المذهب القديم والمذهب الجديد، وكلاهما صحيح، إذ من خلال البحث في كتب الفقه الشافعي وجدت أن العلماء يستخدم كلا المصطلحين، فكلمة "القول أو الأقوال" مصطلح أطلقه فقهاء الشافعية لما قاله الإمام الشافعي فقط، سواء كان في القديم أو في الجديد، فحيث ورد "القول أو الأقوال" يقصد به قول الإمام الشافعي، قال النووي: "فالأقوال للشافعي"[1].
   وأما كلمة المذهب فهي عند أهل التشريع: مجموعة من آراء المجتهد في الأحكام الشرعية، استنبطها من أدلتها التفصيلية، والقواعد والأصول التي بنيت عليها، ارتبط بعضها ببعض، فجعلها وحدة منسقة، وبناء على هذا التعريف يكون المراد بالمذهب الشافعي: أصوله وفقهه[2].
   لقد وضع الإمام الشافعي الأحكام الفقهية بالعراق على وفق مذهبه الذي وصف بالقديم، ولكن بعد أن دخل مصر واستقر فيها عدل عن كثير من تلك الأحكام على وفق نضجه الفكري الذي نشأ من طول النظر وكثرة البحث ومداومة الاطلاع فكان ذلك أحد الأسباب التي أدت إلى نشوء ما يسمى بالمذهب الجديد؛ وعليه فإن ما قاله الإمام الشافعي بعد دخوله مصر تصنيفا أو إفتاء أو إملاء هو المذهب الجديد[3].
المطلب الثاني: مذهب الإمام الشافعي واحد.
   توهمُ عباراتُ كثيرٍ ممن أرَّخُوا للإمام الشافعيِّ أنَّ القولَ الجديدَ والقولَ القديمَ مذهبانِ مُستقلان، أو أنَّ الشافعيَّ أملى كتبا جديدةً مستقلةً عن الكتبِ القديمةِ، وقد استكثرَ بعض الكُتَّابِ أن تكونَ السنواتُ الأربعِ التي أقامها الشافعي بمصرَ كافيةً لتأسيسِ مذهب جديدٍ وتصنيفِ كتبٍ جديدةٍ، ولكن عندَ التدقيقِ يظهرُ أن مذهبَ الشافعيِّ في الحقيقةِ واحدٌ، وأن القولَ الجديدَ امتدادٌ للقولِ القديم وتطويرٌ له، والكتبُ الجديدةُ هي تمحيصٌ وزيادةٌ للكُتُبِ القديمة، فكتابُ (الحجة) هو نفسُهُ كتاب (الأم) ولم يسمِّهِما الإمام الشافعيُّ بهذينِ الاسمين بل سمَّاهما مَنْ رَواهما، والإمام الشافعيُّ استنسخَ كتابه القديمَ وأضافَ إليه في الجديدِ وعدَّلَ وحَذَفَ، ذلك لأنَّ الإمام الشافعي طالما كان يفحَصُ آراءَهُ كما يفحَصُ آراءَ غيره، ثم يكرِّرُ وزنَها على ما يستخرِجُ من أصولٍ فيُبْقِي أو يُعَدِّلُ، وهذا شأنُ الباحِثِ الذي يطلُبُ الحقَّ لا يبغِي سواه، والمجدِّدُ الحيُّ في تفكيرِهِ واجتهاده.
   يؤكد هذا الحافظ البيهقي في كتابه (مناقب الشافعي) حيث يقول: "ثم أعادَ تصنيفَ هذه الكتبِ في الجديدِ غيرَ كُتُبٍ معدودةٍ منها: كتابُ الصيامِ، وكتابُ الصَّدَاق، وكتاب الحدود، وكتاب الرَّهْنِ الصغير، وكتابُ الإجارة، وكتابُ الجنائز، فكانَ يأمرُ بقراءَةِ هذه الكتب عليه في الجديد، ثم يأمرُ بتخريقِ ما تغيَّرَ اجتهادُهُ فيها، وربما يَدَعُهُ اكتفاءً بما ذَكَرَ في مَوضِعٍ آخرَ"[4] فالإمامُ الشافعي لم يقطَعْ نظرَهُ عن كتبِهِ القديمةِ بل من خلالها أبقى وعَدَّلَ وحَذَفَ، فأصلُ المذهَبِ واحدٌ[5].
المطلب الثالث: المدة الزمنية للمذهب الجديد ومكانه.
   رحل الإمام الشافعي إلى مصر سنة (199هـ) وقيل سنة (200هـ)، قال الإمام النووي: "ولعله قدم آخر سنة (199هـ) جمعا بين الروايتين"[6]، وتوفي الإمام الشافعي في سنة (204هـ)[7]، وبناء على هذا تكون المدة الزمنية التي قضاها في مذهبه الجديد هي: من (4 إلى 5 سنوات تقريبا).
   وأما المكان الذي تم فيه نشوء المذهب الجديد وتكوينه هو بلد مصر، إذ بدأ الإمام الشافعي نشاطه العلمي من جامع الفسطاط بمصر -المعروف اليوم بمسجد عمرو بن العاص- ومال إليه كثير من المصريين، ولعربيته وقرشيته وفصاحته وقوة حجته تحوّل كثير من أتباع الإمامين مالك وأبي حنيفة إلى مذهبه، إلى حد قام بعضهم بالدعاء عليه خوفا من ذهاب علم الإمام مالك رحمهم الله جميعا[8].
   وكان الإمام الشافعي يصلي الفجر في المسجد، ثم ينصرف إلى حلقته فيبدأ التدريس وكانت حلقته من أمثل الحلقات يستفيد منها الخواص والعوام ويحضرها فئات مختلفة من طلاب العلم.
   قال الإمام الربيع بن سليمان: "كان الشافعي "رحمه الله" يجلس في حلقته إذا صلى الصبح, فيجيئه أهل القرآن, فإذا طلعت الشمس قاموا وجاء أهل الحديث فيسألونه تفسيره ومعانيه, فإذا ارتفعت الشمس قاموا فاستوت الحلقة للمذاكرة والنظر, فإذا ارتفع الضحى تفرّقوا, وجاء أهل العربية والعروض والنحو والشعر, فلا يزالون إلى قرب انتصاف النهار ثم ينصرف رضي الله عنه"[9].
المطلب الرابع: مؤلفات الإمام الشافعي في المذهب الجديد.
   كانت طريقة الإمام الشافعي في تأليفه الجديد بأن ينظر على القديم، فما لا يتغير فيه رأيه قط يبقيه، وما يغير فيه اجتهاده يصنفه ثم يحرق القديم، وربما يترك بعض ما تغير فيه رأيه اكتفاء بما نبه به من تغير رأيه في موضع آخر من كتابته، وكأنه في هذا يقرأ القديم من غير أن يغير في عبارته، ثم يعرض ما يوجب الرجوع ويصنفه وينبه إلى ذلك، وقد يرجع عن بعض الجديد[10]، ومن مؤلفات الإمام الشافعي في المذهب الجديد:
1-  كتاب (الأم): يجمع هذا الكتاب جميع أنواع الفقه، وهو يمثل فقه الإمام الشافعي الجديد الذي استقر في مصر، وقد أقامه على قواعد علم أصول الفقه الذي وضعه في كتاب الرسالة، وهو في حقيقته كتب ورسائل كتبها الإمام الشافعي ثم جمعها في هذا الكتاب إملاءً على تلاميذه، وحمله عنه الربيع المرادي، وهو الذي سمّاه (الأم)؛ إشارةً إلى كونه أما وجامعا لمصنفات الإمام الشافعي في الفقه التي رواها، وهو يحتوي على مجموعة كتب، منها في الفروع، ومنها في الأصول كـ(الرسالة)، ومنها في الفقه المقارن كاختلاف مالك، واختلاف أبي حنيفة، ومنها في تفسير آيات الأحكام، ومنها في أحاديث الأحكام وآثارها[11].
2-   مختصر البويطي: وهو عبارة عن إملاءات الإمام الشافعي التي رواها البويطي.
3-  مختصر المزني: وهو أحد مؤلفاته الذي اختصره من إملاءات الإمام الشافعي، وله مجموعة مؤلفات منها: (الجامع الكبير) و(الجامع الصغير) و(المختصر الكبير) و(المنثور) و(المسائل المعتبرة) وغيرها[12].
   وبعضهم يجعل مصنفات المزني مصنفات للإمام الشافعي، كالنووي في قوله أثناء حديثه عن مصنفات الإمام الشافعي: "فإن مصنفاته كثيرة كالأم في نحو عشرين مجلداً وهو مشهور، وجامع المزني الكبير، وجامعه الصغير، ومختصريه الصغير والكبير"[13]، ولعله يقصد بذلك أنها من إملاءات الإمام الشافعي ومن معنى قوله، لا أن الإمام الشافعي كتبها وصنفها بنفسه.
المطلب الخامس: أسباب نشوء المذهب الجديد.
   من الثابت أن للإمام الشافعي مذهبين قديم وجديد، وقد يُظَنّ أن تعدد المذاهب يولد النقص فيه إلا أن ذلك يزيد في علو منزلته ورفع مرتبته، إذ لا ينشأ مثل ذلك إلا عن شدة الورع والاحتياط في الدين ونبذ التعصب للرأي، وتلك وظيفة المجتهد حيث يسير في استنباط الأحكام مع الدليل حيثما سار، وبذلك كان المذهب الشافعي ينقسم إلى قسمين: قديم وجديد[14]، فما هي الأسباب التي تفرد بها الإمام الشافعي بهذه التسمية عن غيره من الفقهاء، وما هي الأسباب التي جعلته يغير مذهبه من القديم على الجديد؟
   أما الأسباب التي جعلت الإمامُ الشافعي ينفرد بهذه التسمية (القول القديم، والقول الجديد) عن غيرِهِ من الفقهاءِ الذين كانتْ لهم اجتهاداتٌ متعدِّدَةٌ في المسألة الواحدةِ، فهي على النحو الآتي:
1-   أن تغييرَ الإمامِ لاجتهاداتِهِ صاحبَهُ انتقالٌ مكانيٌّ بين منطقتينِ متباعدتينِ جغرافيّاً.
2-  أنه دوَّن اجتهاداتِهِ الأولى في مُصَنَّف، ثم صَنَّفَ مَرَّةً أخرى ودوَّن اجتهاداته بعد أن غيَّر وراجعَ عدداً من اجتهاداته الأولى.
3-  أن تلاميذَهُ الذين رووا عنه مصنَّفَاته الأولى لم ينتقلوا معه إلى مصر، حيث كان له تلاميذٌ جددٌ رووا عنه مصنفاتِهِ الجديدةَ، الأمرُ الذي أدى إلى وُجود طائفتينِ مختلفتينِ من التلاميذ: عراقيين، ومصريين، كلُّ واحدةٍ تروي ما لا تروي الأخرى.
   هذه الأسبابُ وغيرها كان لها الأثرُ في تقسيم آراء الإمام الشافعي إلى قديم وجديد، وإلا فغيرُهُ من الأئمة كأبي حنيفةَ ومالك لهم أقوال محكيَّةٌ كثيرةٌ في مسائل شتى لم تقسَّمْ آراؤهم إلى أقوال قديمةٍ وجديدة، وذلك لاتحادِ مكانهم واتحادِ تلاميذهم[15].
   أما عن الأسباب التي دَعَتِ الإمامَ الشافعي إلى تغييرِ اجتهاداته فهي على النحو الآتي:
1-  مراجعتُهُ لأصوله في الاستنباط، وإعادتُهُ لتصنيفِ كتابه (الرسالة) في أصول الفقه، مما أدى إلى اختلاف اجتهاده في الفروع.
2-  مراجعتُهُ لاجتهاداته في الفروعِ والنَّظَرُ فيها، وإعادتُهُ الاجتهادَ بناء على قياس أرجح، أو دليلٍ أقوى، شأنُ من يتحرَّى الحق ويرى رأيه صوابا محتملا للخطأ.
   ويلخص د. لمين الناجي بعد استقراءه لمسائل القديم والجديد أسباب تراجع الإمام عن أقواله بقوله: "الرجل دائم الفحص في الأدلة، ينقدها ويمحِّصها، دائمُ المناظرة مع تلامذته ومع غيرهم، ولذلك يقول قولاً ويرجع عنه، وقد يرجع إليه مرة أخرى، وقد يقول قولين أو أقوالاً ولا يتبيَّن له وجه الترجيح، فالظاهر أن السبب الرئيس في تغير رأي الإمام الشافعي هو عامل الترجيح، ومن خلال استقرائي لاختلاف اجتهادات الإمام الشافعي بين القديم والجديد ظهر لي أن عوامل الترجيح ثلاثة:
أ‌-       الترجيح بين الأدلة النقلية.
ب‌- التمسك بظواهر النصوص في مقابل قياس أو غيره.
ت‌-  الترجيح بين الأقيسة"[16].
وهناك أسباب أخرى يذكرها بعض الباحثين منها:
1)  اطلاعُ الإمام الشافعيُ على فقه الليثِ بن سعد من خلالِ تلاميذه هناك، وإفادتُهُ من عدد من كبار تلاميذ شيخه الإمام مالك مثل أشهبِ بن عبد العزيز[17] وغيره، ولكن هذا السبب ضعيف لعدم اهتمام الإمام الشافعي نفسه بذكر الليث بن سعد في مصنفاته، ولا تلاميذه من بعده[18].
2)  تغير البيئة والأعراف والعادات بين مصر والعراق: وهو سببٌ مشهورٌ، يذكره كثير من الباحثين، فهم يجعلونَ تغير اجتهادَ الإمام الشافعيِّ بين العراقِ ومصرَ دليلا على تغيُّر الأحكام الشرعية بتغير المكان، وأن المجتمع المصري بعاداتِهِ وأعرافِهِ قد أثَّر على اجتهاداتِ الإمام فغيَّرها تبعا للمجتمع الجديد.
   وهو سببٌ واهٍ جداً، ردَّه مجموعة من الباحثين منهم الباحث فهد الحبيشي في بحثه القيم (المدخل إلى مذهب الإمام الشافعي) لسبعة أسباب نختار منها ما يلي:
أ‌-    لو كان الأمر كذلك لما شطب الإمام الشافعي كتاباته الأولى، ولما أنكر على من يروي آراءه القديمة، بل كان سيبيِّنُ سبَبَ تغيُّرِ فتواه في البلدين بأن معطياتها وأسسها مختلفة.
ب‌-   يؤيِّد هذا أن الإمامَ الشافعي أبقى على مواضعَ من الصَّداق، ولو كان كما قيلَ لما أبقاه أيضاً، أو كان رفضُهُ لفتاوى متفرقة من كُتُبٍ مختلفة، لا أن يشطُبَ جميعَها عدا مواضعَ.
ت‌-   يدعَمُ هذا أيضاً أن مذهبَ الإمامِ القديمَ كان مبنياً على أصول لم يرتضها الإمام الشافعي بعد ذلك ، كحُجِّيَّةِ مذهب الصحابي.
ث‌-   ليستْ مسافةُ العاداتِ، والناس، والمكان، والزمان كبيراً بين مصرَ والعراق بحيثُ يؤدي هذا إلى التراجع عن مسائل القديم.
ج‌-   أن فقهاء الشافعيَّةَ والذين هم أدرى بإمامهم ومذهبِهِ لم يذكروا هذا السبب، وعندما اختار بعضهم شيئاً من آرائه القديمة ذكروا عدم نسبةِ هذه الآراء لمذهبِ الإمام، وأن الأصحابَ إنما اختاروها لرجحانها بالأدلة من وجهة نظرهم.
   فالذي يظهر أن الإمام الشافعي غيّر آراءه واجتهاداتِهِ لما ترجَّحَ لديه من ضعفها وصوابيَّةِ آرائه الجديدة لا لشيء آخر، يظهرُ ذلك من استقراء المسائل التي أُثِرَ فيها عن الإمام قولان: قديمٌ وجديدٌ، يتضحُ جليًّا فيها كونُ تغير اجتهاد الإمام نابعاً من نظره في الدليل لا إلى عُرْفِ المكان أو المجتمع[19].
3)   اطلاع الإمام على أحاديث لم يطلع عليها من قبل:
   يذكر بعض الباحثين أن من أسباب تغيير الإمام الشافعي مذهبه هو كون الإمام اطلع على أحاديث بمصر فغيَّر بعض آراءه تبعاً لذلك.
   ويرد على ذلك: أن الباحث الدكتور لمين بعد استقرائه لمسائل القديم ردَّ هذا السبب، حيث قال: إن مسند الشافعي المطبوع، جميع الأحاديث التي فيه يعرفها الإمام قبل دخوله مصر، بدليل رواتها الذين روى عنهم[20].
المطلب السادس: التلاميذ الذين رووا المذهب الجديد عن الإمام الشافعي.
   يروى أن عدد الفقهاء الذين لازموا الإمام الشافعي في فترة المذهب الجديد في مصر ورووا عنه هم سبعة على النحو الآتي:
(1)     البويطي: وهو أبو يعقوب يوسف بن يحيي القرشي البويطي، منسوب إلى بويط من قرى مصر من الصعيد، من عظماء أصحاب الإمام الشافعي وخليفته من بعده، أبى أن يقول بخلق القرآن ومات في السجن ودفن في بغداد (ت 232هـ)[21].
(2)     حرملة: وهو أبو نجيب حرملة بن يحيى بن عبد الله بن حرملة  بن عمران المصري التجيبي، نسبة إلى قبيلة تجيب، أحد الحفاظ المشاهير من أصحاب الإمام الشافعي وكبار رواة مذهبه الجديد، كان إماما في الحديث والفقه، ومن مصنفاته "المبسوط" و"المختصر" المعروفين به، ومات في شوال سنة (ت 243هـ)[22].
(3)     الربيع الجيزي: وهو أبو محمد الربيع بن سليمان بن داود الأزدي الجيزي، نسبة إلى الجيزة في مصر، أحد أصحاب الإمام الشافعي والرواة عنه، واسع المعرفة في المذهب المالكي، مات في ذي الحجة سنة (ت 256هـ) [23].
(4)     المزني: وهو أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن عمرو بن إسحاق المزني المصري الفقيه الإمام صاحب التصانيف: "المبسوط" و"المختصر" و"المنثور" و"الوسائل" و"كتاب الوثائق"، كان زاهداً عالماً مجتهداً مناظراً غواصاً على المعاني الدقيقة، توفي في رمضان سنة (ت 264هـ) [24].
(5)     يونس بن عبد الأعلى: وهو أبو موسى يونس بن عبد الأعلى بن ميسرة بن حفص بن حيان الصدفي المصري، أحد أصحاب الإمام الشافعي وأئمة الحديث روى عنه مسلم في صحيحه والنسائي وابن ماجه، انتهت إليه رئاسة العلم بديار مصر لعلمه وفضله وورعه ونسكه ومعرفته بالفقه وأيام الناس، مات في ربيع الآخر سنة (ت264) [25].
(6)     الربيع المرادي: وهو أبو محمد الربيع بن سليمان بن عبد الجبار بن كامل المرادي، كان مؤذنا بجامع مصر وخادما للإمام الشافعي، وإذا أطلق اسم الربيع في كتب المذهب ينصرف إليه، توفي سنـة (ت207هـ) [26].
(7)     الحميدي: وهو عبد الله بن الزبير بن عيسى القرشي الأسدي الحميدي، رحل مع الإمام الشافعي من مكة إلى بغداد ومنها إلى مصر ولازمه حتى مات فرجع إلى مكة وتوفي سنة (ت220هـ) [27].
   وقد نصر هؤلاء التلاميذ مذهب الإمام الشافعي خاصة المصاروة منهم، وعنهم نقل مذهب الإمام الشافعي الجديد فقد نشروه وحافظوا عليه، وألفوا فيه الكتب.
   لقد كانت فترة التلاميذ الذين لازموا الإمام الشافعي في مذهبه الجديد فترة حرجة فوفاة الإمام تركت فراغاً كبيراً، وكان على تلاميذه أن يملئوا هذا الفراغ، كما أن الإمام قد بدأ مشواراً قطع فيه شوطاً واسعاً وكان عليهم أيضاً أن يواصلوا هذا المشوار، وقد كانوا كذلك.
المطلب السابع: المفتى به في المذهب الشافعي.
   لا شك أن المفتى به عند فقهاء الشافعية هو ما قاله الإمام الشافعي في المذهب الجديد إلا في عدد محدود من المسائل أوصلها بعض الباحثين إلى ثلاثين مسألة[28]،
وتجدر الإشارة أن الفقه القديم للإمام الشافعي ليس مرجوعا عنه بالجملة، لذا يمكن تقسيم المذهب القديم إلى أربعة أقسام على النحو الآتي:
أ‌-   قديم نص عليه في الجديد ولم يخالفه، وقديم سكت عنه فلم يتعرض له في الجديد لا بالنفي ولا بالإثبات، وقديم أوقفه على صحة الحديث وصح فيه؛ هذا كله يُنسب إلى الإمام الشافعي ويمثل مذهبه قديما وجديدا، ويعمل به فلا يجوز تركه ولا مخالفته.
ب‌- قديم نص عليه في بعض كتبه الجديدة، فهذا ليس قديما بل هو جديد، وبذلك يكون له قولان في الجديد أحدهما نص عليه في القديم.
ت‌-  قديم أعلن أو أشار إلى رجوعه، فهذا لا يُنيب إليه، ولا يمثل مذهبه، ولا يجوز العمل به أو تقليده.
ث‌-  قديم نص على خلافه في الجديد ولم يعلن أو يشر إلى الرجوع عنه، اختلف في رده أو قبوله، والراجح أنه يجوز العمل به وتقليده[29].
   ونخلص فيما سبق أن المذهب الجديد هو المذهب المختار في الفتوى؛ لأنه حصيلة المجهود العلمي الذي بذله الإمام الشافعي طوال خمسة وعشرين عاما، كما أنه نتيجة لتجاربه العلمية والعقلية طوال هذه الفترة، التي سجلها على شكل آراء فقهية وقواعد أصولية، بعد أن نقحها مرتين، مرة بالعراق ومرة بمصر، ثم دونها في كتبه الجديدة[30].
   وإشارة إلى ذلك يذكر الحافظ البيهقي في كتابه (مناقب الشافعي) عن ابن وارة أنه قال: "سألت أحمد بن حنبل: ما ترى في كتب الشافعي التي عند العراقيين، أحب إليك أو التي بمصر؟ قال: عليك بالكتب التي وضعها بمصر، فإنه وضع هذه الكتب بالعراق ولم يحكمها، ثم رجع إلى مصر فأحكم تلك"[31].
   إلا أنه قد يكون للإمام الشافعي في المذهب الجديد قولان، وهذا النوع هو الذي يتطلب جهدا في بيان في معرفة المعتمد من القولين، لذلك وضع فقهاء الشافعية قواعد وضوابط لمعرفة المعتمد من هذين القولين على النحو الآتي:
·       أولا: اعتماد آخر القولين وذلك عند معرفة القول الآخر منهما.
·       ثانيا: ما رجحه الإمام الشافعي بنفسه.
·   ثالثا: إن لم يرجح أحدهما بل نص عليهما فقط ولم يعلم ما إذا قالهما مرتبين أو قالهما في وقت واحد، فلا يجوز حينئذ أن يعمل بأحدهما كيفما جاء، ولا بد حينئذ من البحث عن الراجح منهما[32]


قائمة المراجع:
1- الأم (للإمام الشافعي): أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، المتوفى سنة 204هـ، الطبعة الثانية،  دار الفكر، بيروت، سنة 1403هـ- 1983م.
2- الإمام الشافعي في مذهبيه القديم والجديد: احمد نحراوي عبدالسلام الإندونيسي، مكتبة الشباب، القاهرة، سنة 1408هـ- 1988م.
3- الأسباب الأصولية في رجوع الإمام الشافعي عن بعض آرائه في مذهبه القديم: عبد المؤمن دائل مرشد غالب، رسالة ماجستير، جامعة آل البيت، سنة 2003- 2004م.
4- آداب الشافعي ومناقبه: محمد بن عبد الرحمن الرازي، تحقيق: عبد الغني عبد الخالق، دار الكتب العلمية، بيروت.
5- تهذيب الأسماء واللغات (للنووي): أبو زكريا محيي الدين بن شرف بن مري بن حسن بن حسين بن محمد بن جمعه النووي، المتوفى سنة 676هـ، دار الكتب العلمية، بيروت.
6- الشافعي: حياته، وعصره، آراؤه وفقهه: محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي، بيروت، سنة 1978م.
7-  طبقات الشافعية (للحسيني): أبو بكر بن هداية الله، الطبعة الأولى، تحقيق: عادل نويهض، دار الآفاق الجديدة، بيروت، سنة 1979م.
8- طبقات الفقهاء (للشيرازي): أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروز آبادي الشيرازي، المتوفى سنة 476هـ، تحقيق: إحسان عباس، الطبعة الأولى، دار الرائد العربي، بيروت، سنة 1970.
9- القديم والجديد في فقه الشافعي: الدكتور لمين الناجي، الطبعة الأولى، دار ابن القيم، الرياض، سنة 1428هـ.
10- القديم والجديد من أقوال الإمام الشافعي من خلال كتاب "منهاج الطالبين": الدكتور محمد سميعي الرستاقي، الطبعة الأولى، دار ابن حزم، سنة 2005م.
11- المسائل المفتى بها على القديم عند الشافعية: مراد جميل علي الغوانمة، رسالة ماجستير، الجامعة الأردنية، سنة 2004م.
12- المجموع شرح المهذب (للنووي): أبو زكريا محيي الدين بن شرف بن مري بن حسن بن حسين بن محمد بن جمعه النووي، المتوفى سنة 676هـ، حققه وأكمله بعد نقصانه: محمد بن نجيب المطيعي، بدون رقم الطبعة، مكتبة الإرشاد، جدة، بدون سنة النشر.
13- المدخل إلى مذهب الإمام الشافعي: أكرم القواسمي، رسالة دكتوراه، الجامعة الأردنية، سنة 2002م.
14- مناقب الشافعي (للبيهقي): أبو بكر أحمد بن الحسين، المتوفى سنة 458هـ، تحقيق: السيد أحمد صقر، الطبعة الأولى، مكتبة دار التراث، القاهرة، سنة 1971م.








[1] النووي، المجموع، ج 1 ص 107.
[2] احمد نحراوي عبدالسلام، الإمام الشافعي في مذهبيه القديم والجديد، ص 207.
[3] مراد الغوانمة، المسائل المفتى بها على القديم عند الشافعية، ص33.
[4] البيهقي، مناقب الشافعي، ج 1 ص 255.
[5] محمد أبو زهرة، الشافعي، ص 160. احمد نحراوي عبدالسلام، الإمام الشافعي في مذهبيه القديم والجديد، ص 218.
[6] النووي، تهذيب الأسماء واللغات، ج 1 ص 48.
[7] الرازي، آداب الشافعي ومناقبه، ص 25.
[8] محمد الرستاقي، القديم والجديد من أقوال المذهب الشافعي "من خلال كتابه منهاج الطالبين"، ص 47.
[9] الرازي، مناقب الشافعي، ص 138.
[10] محمد أبو زهرة، الشافعي، ص 159-160.
[11] الإمام الشافعي، الأم، ج1 ص16.
[12] الشيرازي، طبقات الفقهاء، ص 97.
[13] النووي، المجموع، ج 1 ص 29.
[14] مراد الغوانمة، المسائل المفتى بها على القديم عند الشافعية، ص 31.
[15] أكرم القواسمي، المدخل إلى المذهب الإمام الشافعي، ص 306.
[16] لمين الناجي، القديم والجديد في فقه الشافعي، ج 2 ص 136، 224.
[17] أشهب بن عبد العزيز بن داود القيسي العامري الجعدي، أبو عمرو: فقيه الديار المصرية في عصره، كان صاحب الإمام مالك، قال الشافعي: ما أخرجت مصر أفقه من أشهب لولا طيش فيه. قيل: اسمه مسكين، وأشهب لقب له، مات بمصر.
العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج 1 ص 359. ابن خلكان، وفيات الأعيان، ج 1 ص 78.
[18] لمين الناجي، القديم والجديد في فقه الشافعي، ج 2 ص 70.
[19] أكرم القواسمي، المدخل إلى مذهب الإمام الشافعي، ص 307.
[20] لمين الناجي، القديم والجديد في فقه الشافعي، ج 1 ص 350.
[21] الحسيني، طبقات الشافعية، ص 16-18.
[22] الحسيني، طبقات الشافعية، ص 22.
[23] الحسيني، طبقات الشافعية، ص 25.
[24] الحسيني، طبقات الشافعية، ص 20-21.
[25] الحسيني، طبقات الشافعية، ص 28.
[26] الحسيني، طبقات الشافعية، ص 24.
[27] الحسيني، طبقات الشافعية، ص 15.
[28] محمد الرستاقي، القديم والجديد من أقوال المذهب الشافعي "من خلال كتابه منهاج الطالبين"، ص 112.
[29] عبد المؤمن دائل، الأسباب الأصولية في رجوع الإمام الشافعي عن بعض آرائه في مذهبه القديم، ص 287.
[30] احمد نحراوي عبدالسلام، الإمام الشافعي في مذهبيه القديم والجديد، ص 219.
[31] البيهقي، مناقب الشافعي، ج 1 ص 263.
[32] مراد الغوانمة، المسائل المفتى بها على القديم عند الشافعية، ص34-35.
التعليقات
0 التعليقات
جميع الحقوق محفوضة@2015 : د.حسن بن جازي الحويطات