(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)

السبت، يناير 30، 2016

حقوق الزوجة في الإسلام

    لقد انعم الله تعالى علينا بنعم كثيرة، ومن هذه النعم أن شرع لنا الزواج وجعله مودة ورحمة بين الزوجين، ولقد حرص الإسلام على العلاقة الزوجية ورتب عليها حقوقا وواجبات، فمن أهم حقوق الزوجة على زوجها ما يلي:
أولا: المعاشرة بالمعروف.


   حث الشرع على العشرة بين الزوجين بالمعروف، قال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ([1])، وقال تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)([2])، قال أبو زيد: يتقون الله فيهن كما عليهن أن يتقين الله فيهم، وقال الضحاك في تفسير هذه الآية: إذا أطعن الله وأطعن أزواجهن فعليه أن يحسن صحبتها، ويكفّ عنها أذاه، وينفق عليها من سعته([3])، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: {اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّهُنَّ عِنْدَكُمْ عَوَانٍ}([4]).
   ومعنى العُشرة بالمعروف التي أمر الله تعالى بها الأزواج هو: أداء الحقوق كاملة للمرأة مع حسن الخلق في المصاحبة([5])، وقال الجصاص: ومن المعروف أن يوفيها حقها من المهر والنفقة والقسم (العدل بين الزوجات)، وترك أذاها بالكلام الغليظ، والإعراض عنها، والميل إلى غيرها، وترك العبوس والقطوب في وجهها بغير ذنب([6])، قال ابن قدامة  قال بعض أهل العلم في تفسير قوله تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)([7]): التماثل هاهنا في تأدية كل واحد منهما ما عليه من الحق لصاحبه، ولا يمطله به، ولا يظهر الكراهة، بل ببشر وطلاقة، ولا يتبعه أذى ولا منة، لقول الله تعالى: (وعاشروهن بالمعروف)([8]) وهذا من المعروف، ويستحب لكل واحد منهما تحسين الخلق مع صاحبه والرفق به واحتمال أذاه([9]).
ثانيا: مهر الزوجة.
هل هو حق لوالديها وإخوانها؟ وإن كان من حقها متى تأخذه؟.
   المهر هو المال الذي تستحقه الزوجة على زوجها بالعقد عليها أو بالدخول بها([10])، وهو حق واجب للمرأة على الرجل عطية من الله تعالى مبتدأة، أو هدية أوجبها على الرجل بقوله تعالى: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) إظهارا لخطر هذا العقد ومكانته، وإعزازا للمرأة وإكراما لها.
   ويجوز تعجيل الصداق وتأجيله، كما يجوز تعجيل بعضه وتأجيل بعضه، وتستحق الزوجة على زوجها الصداق كاملا، مقدمه ومؤخره، بدخوله بها، أو خلوته بها خلوة صحيحة.
   ومؤجل الصداق: دين في ذمة الزوج، وحق من حقوق المرأة على زوجها، ومرجع استيفائه إلى الشرط حين العقد إذا وُجد، أو إلى العرف السائد بين الناس في مجتمع الزوجين، المعمول به لديهم بلا نكير؛ إذ المعروف عرفا كالمشروط شرطا، فإذا اشترط في العقد أن المؤخر يحل في أجل معين، بعد سنة أو سنتين، أو أقل من ذلك أو أكثر، فالواجب على الزوج أن يوفيه في الأجل المحدد له، وألا يماطل زوجته به، وهو في ذلك كسائر الديون التي لا يحل لصاحبها أن يماطل صاحب الحق، إذا حل أجله ، وكان قادرا على الوفاء.
   فإذا لم يحدد أجل معين لسداد مؤخر الصداق، فإن المطالبة به تكون عند الفرقة بطلاق أو نحوه، أو عند موت أحد الزوجين؛ فإن مات الزوج أولا: حق للزوجة أن تأخذ من تركته مؤخر صداقها، قبل إخراج وصيته، أو توزيع تركته على الورثة، ثم تأخذ نصيبها من التركة كاملا، إن بقي شيء فيها.
وإن كانت الزوجة هي التي ماتت قبل زوجها: فلورثتها أن يأخذوا نصيبهم في مؤخر الصداق، كغيره من أموالها، ويوزع عليهم بحسب نصيبهم في الميراث، بمن فيهم الزوج.
ثالثا: كفّ الأذى عن الزوجة ومراعاة مشاعرها.
ما حكم إهانة الزوجة أو إلحاق الأذى بها وخصوصا الأذى النفسي أو المعنوي؟
   على الزوج إكرام زوجته وحسن معاشرتها ومعاملته لها بالمعروف، وتقديم ما يمكن تقديمه إليها مما يؤلف قلبها، قال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ([11])، قال ابن كثير: أي طيبوا أقوالكم لهن، وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم، كما تحب ذلك منها فافعل أنت بها مثله، وقال صلى الله عليه وسلم:  {خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأِهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأِهْلِي}([12])، وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه جميل العشرة دائم البشر، يداعب أهله ويتلطف بهم ويوسع عليهم في النفقة ويضاحك نساءه، حتى أنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها يتودد إليها بذلك([13]).
   ومن مظاهر إكمال الخلق ونمو الإيمان أن يكون المرء رقيقا مع أهله، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ مِنْ أَكْمَلِ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا، أَحْسَنَهُمْ خُلُقًا، وَأَلْطَفَهُمْ بِأَهْلِهِ}([14])، وإكرام المرأة دليل على تكامل شخصية الرجل، وإهانتها علامة الخسة واللؤم، ومن إكرامها التلطف معها ومداعبتها، وجاء في الأثر أنه صلى الله عليه وسلم قال: {كُل مَا يَلْهُو بِهِ الرَّجُل الْمُسْلِمُ بَاطِلٌ، إِلاَّ رَمْيَهُ بِقَوْسِهِ ، وَتَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ، وَمُلاَعَبَتَهُ أَهْلَهُ ، فَإِنَّهُنَّ مِنَ الْحَقِّ}([15])، ومن إكرامها أن يتجنب أذاها ولو بالكلمة النابية، فعَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: {أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ، أَوِ اكْتَسَبْتَ، وَلا تَضْرِبِ الْوَجْهَ، وَلا تُقَبِّحْ، وَلا تَهْجُرْ إِلا فِي الْبَيْتِ}([16]).
   ومن حسن الخلق مجاملة الزوجة والأهل ومعاشرتهم والتوسعة عليهم، وينبغي للرجل أن يحسن إلى أهل داره حتى يكون أحب الناس إليهم, ولا ينبغي أن يفاحش المرأة ولا يكثر مراجعتها ولا تردادها, فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن  رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا}([17]).
رابعا: إعفاف الزوجة.
   من حق الزوج على زوجته تأديبها عند النشوز والخروج على طاعته، لقوله تعالى: (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) ([18])نزلت هذه الآية في سعد بن الرّبيع رضي اللَه عنه، نَشَزَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ فَلَطَمَهَا، فَجَاءَ بِهَا أَبُوهَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَال: {أَفْرَشْتُهُ كَرِيمَتِي فَلَطَمَهَا، فَقَال لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: اقْتَصِّي مِنْهُ، وَانْصَرَفَتْ مَعَ أَبِيهَا لِتَقْتَصَّ مِنْهُ، فَقَال صلى الله عليه وسلم: ارْجِعُوا ، هَذَا جِبْرِيل أَتَانِي، وَأَنْزَل اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الآْيَةَ، فَقَال صلى الله عليه وسلم: أَرَدْنَا أَمْرًا وَأَرَادَ اللَّهُ أَمْرًا، وَالَّذِي أَرَادَ اللَّهُ خَيْرٌ، وَرَفَعَ الْقِصَاصَ}([19]).
   أما إذا كانت الزوجة قد قامت بالواجب فإن هجر الزوج لها محرم لقوله تعالى: (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً)([20])، فتأمل قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَياً كبيراً) كيف يدل على أن هذا الزوج الذي هجر زوجته أو نشز عنها مع قيامها بحقه إذا كان الحامل له على ذلك العلو والاستكبار فإن الله تعالى أعلى منه وأكبر منه، فعليه أن يتوب إلى الله وأن يخشاه.
   فلا يجوز للزوج أن يتعمد هجران زوجته أبدا، قصرت المدة أو طالت، لأن ذلك نوع إيذاء لها، وهو حرام شرعا، وقد أمر الله تعالى الأزواج بالإحسان لزوجاتهم، ومنعهم من الإساءة إليهن، والهجران من أشد أنواع الإساءة، ولكن لو حدت بالزوج ظروف قاهره دعته إلى نوع من الهجران، كالمرض أو السفر مثلا، فلا يلام في ذلك، وعلى الزوجة في هذه الحال أن تصبر وتحتسب.
   ومن حق الزوجة على زوجها أن يقوم بإعفافها، وذلك بأن يطأها (الجماع)، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم له: {أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيل؟ فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُول اللَّهِ، فَقَال: فَلاَ تَفْعَل، صُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنْ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا}([21])، وذهب الفقهاء إلى أنه لا يجوز للزوج أن يعزل عن زوجته الحرة بلا إذنها، لما روي عن عمر رضي الله عنه قال: {نَهَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُعْزَل عَنِ الْحُرَّةِ إِلاَّ بِإِذْنِهَا}([22])؛ ولأن لها في الولد حقا وعليها في العزل ضررا فلم يجز إلا بإذنها.
خامسا: البيات عند الزوجة.
    ذهب الفقهاء إلى أنه يجب على الزوج أن يبيت في مضجع زوجته الحرة ليلة من كل أربع ليال، لما روى كعب بن سوار أنه كان جالسا عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه فجاءت امرأة فقالت: يا أمير المؤمنين ما رأيت رجلا قط أفضل من زوجي، والله إنه ليبيت ليله قائما ويظل نهاره صائما، فاستغفر لها وأثنى عليها، واستحيت المرأة وقامت راجعة، فقال: يا أمير المؤمنين هلا أعديت المرأة على زوجها؟ فقال: ما ذاك؟ فقال: إنها جاءت تشكوه إذا كان هذا حاله في العبادة متى يتفرغ لها؟ فبعث عمر إلى زوجها وقال لكعب اقض بينهما؛ فإنك فهمت من أمرهما ما لم أفهمه، قال : فإني أرى أنها امرأة عليها ثلاث نسوة وهي رابعتهن فاقض له بثلاثة أيام ولياليهن يتعبد فيهن ولها يوم وليلة، وهذه قضية اشتهرت ولم تنكر فكانت كالإجماع([23])، يؤيده قول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: {إِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنْ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنْ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا}([24]).
سادسا: بيت الزوجية.
   بيت الزوجية هو: محل منفرد معين مختص بالزوجة، لا يشاركها أحد في سكناه من أهل الزوج المميزين، وله غلق يخصه ومرافق سواء كانت في البيت أو في الدار، على ألا يشاركها فيها أحد إلا برضاها([25]).
شروط بيت الزوجية، إذ يرى الفقهاء([26]) أن بيت الزوجية يراعى فيه ما يأتي:
1-  أن يكون خاليا عن أهل الزوج، سوى طفله غير المميز؛ لأن المرأة تتضرر بمشاركة غيرها في بيت الزوجية الخاص بها، ولا تأمن على متاعها، ويمنعها ذلك من معاشرة زوجها.
2-  أن يكون خاليا من سكنى ضرتها؛ لما بينهما من الغيرة، واجتماعهما يثير الخصومة والمشاجرة، إلا إن رضيتا بسكناهما معا؛ لأن الحق لهما، ولهما الرجوع بعدئذ.
3-  أن يكون بين جيران صالحين، وهم من تقبل شهادتهم، وذلك لتأمن فيه على نفسها ومالها، ومفاده أن البيت بلا جيران ليس مسكنا شرعيا، إن كانت لا تأمن فيه على نفسها ومالها.
4-  أن يكون مشتملا على جميع ما يلزم لمعيشة أمثالهما عادة على ما تقدم، وعلى جميع ما يحتاج إليه من المرافق اللازمة.
سابعا: الميراث.
   من الحقوق المشتركة بين الزوجين الإرث، فيرث الزوج زوجته عند وفاتها، كما ترث الزوجة زوجها عند وفاته لقوله عز وجل: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ)([27])، فالآية تبين أن كلا من الزوجين لا يرث إلا بطريق الفرض وأن لكل حالتين:
·       أحوال الزوج:
1-  يرث الزوج نصف ميراث زوجته بطريق الفرض، إذا لم يكن لها فرع وارث سواء أكان هذا الفرع الوارث من الزوج أم من غيره.
2-  أن يرث الربع بطريق الفرض، وذلك إذا كان للزوجة فرع وارث سواء أكان هذا الفرع الوارث من هذا الزوج أم من غيره.
·       حالات الزوجة:
1-  أن يكون فرضها الربع، وذلك إذا لم يكن لزوجها فرع وارث، سواء أكان هذا الفرع الوارث ولدا له من هذه الزوجة أم ولدا له من غيرها.
2-   أن يكون فرضها الثمن، وذلك إذا كان للزوج فرع وارث منها أو من غيرها.
ويشترط للميراث بالزوجية شرطان:
أحدهما: أن تكون الزوجية صحيحة.
ثانيهما: أن تكون الزوجية قائمة وقت الوفاة حقيقة، أو أن تكون قائمة حكما، وذلك بأن تكون الزوجة مطلقة طلاقا رجعيا، وهي في العدة.
ثامنا: حرية تصرف الزوجة بمالها الخاص.
   الأصل في العلاقة بين الزوجين قائمة على المودة والاحترام، والتفاهم مطلب أساسي في هذه الأمور، فمساعدة الزوجة لزوجها مستحبة للوصول إلى بر الأمان، سواء كانت لأمر دنيوي أو أخروي، وكل ما تقدمه الزوجة لزوجها وبيتها له أجر الصدقة، فيُستحب لها تقديم المعونة لنفقات المنزل، ولو كان راتب الزوج كافياً، فمساعدة الزوجة لزوجها سيكون من مالها الخاص له أثر طيب في تحقيق الرضا والسعادة الأسرية، على أن يتم ذلك كله بالتوافق بين الزوجين.
   إلا أن جمهور الفقهاء قالوا: من حق المرأة الحرة الرشيدة التصرف في مالها مطلقاً، سواء كان بعوض أو بغير عوض، أكان ذلك بمالها كله أو بعضه، كالمهر والهبة والإرث وراتب الوظيفة ...الخ، فللمرأة ذمة مالية منفصلة عن الزوج؛ فليس لأحد حقٌّ فيما تملكه الزوجة -حتى لو كان زوجها- إلا برضاها ورغبتها، فنفقة الزوجة واجبة على الزوج ولو كانت موظفة عاملة، وهي مقدمة على نفقة أبويه حتى لو كانا فقيرين، قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)([28])، وقد استدل العلماء بذلك على ما يلي:
1-  قوله تعالى: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا)([29])، فأباح الله للزوج ما طابت له به نفس امرأته.
2-  قوله تعالى: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلا أَنْ يَعْفُونَ)([30])، فأجاز عفوهن عن مالهن بعد طلاق زوجها إياها بغير استئذان من أحد فدل ذلك على جواز أمر المرأة في مالها، وعلى أنها في مالها كالرجل في ماله.
3-   قوله تعالى: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ)([31])، وهذا ظاهر في أن اليتيمة إذا صارت راشدة جاز لها التصرّف في مالها.
4-  كذلك لما تصدقت النساء بحليهن بعد موعظة النبي صلى الله عليه وسلم لهنّ في خطبة العيد، فهذا كله يدلّ على نفاذ تصرفاتهن المالية الجائزة دون استئذان أحد، قال في نيل الأوطار: "ذهب الجمهور إلى أنه يجوز لها مطلقا من غير إذن من الزوج إذا لم تكن سفيهة, فإن كانت سفيهة لم يجز"([32]).
5-  ومن جملة ما استدل به الجمهور: ما قاله الإمام البخاري في صحيحه: "بَابُ هِبَةِ المَرْأَةِ لِغَيْرِ زَوْجِهَا وَعِتْقِهَا، إِذَا كَانَ لَهَا زَوْجٌ فَهُوَ جَائِزٌ، إِذَا لَمْ تَكُنْ سَفِيهَةً، فَإِذَا كَانَتْ سَفِيهَةً لَمْ يَجُزْ"، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ)([33])، وعَنْ أَسْمَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لِيَ مَالٌ إِلا مَا أَدْخَلَ عَلَيَّ الزُّبَيْرُ، فَأَتَصَدَّقُ؟ قَالَ: تَصَدَّقِي، وَلاَ تُوعِي فَيُوعَى عَلَيْكِ}([34]).
تاسعا: القًسْم بين الزوجات عند التعدد (العدل بين الزوجات).
   القَسْم -بفتح القاف وسكون السين- هو: بيتوتت الزوج بالتسوية بين النساء، أو هو: توزيع الزمان على زوجاته إن كن ثنتين فأكثر([35])، إذ اتفق الفقهاء على أنه يجب على الرجل -إن كان له أكثر من زوجة- أن يعدل في القَسْم بين زوجاته، وأن يسوي بينهن فيه؛ لأن ذلك من المعاشرة بالمعروف التي أمر الله عز وجل بها في قوله سبحانه وتعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)([36])، وليس مع عدم التسوية في القسم بين الزوجات معاشرة لهن بالمعروف، ولما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {إِذَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُل امْرَأَتَانِ فَلَمْ يَعْدِل بَيْنَهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ سَاقِطٌ}([37])، وللاتباع والاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في قسمه بين أزواجه وعدله بينهن فقد كان صلى الله عليه وسلم على غاية من العدل في ذلك([38]).
   أما ما يتحقق به العدل في القَسْم؟!: فقد ذهب الفقهاء إلى أنه يجب على الزوج العدل بين زوجتيه أو زوجاته في حقوقهن من القَسْم والنفقة والكسوة والسكنى، وهو التسوية بينهن في ذلك، والأصل فيه قول الله تعالى: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةٌ)([39]) عقيب قوله تعالى: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ)، ندب الله تعالى إلى نكاح الواحدة عند خوف ترك العدل في الزيادة، وإنما يخاف على ترك الواجب، فدل على أن العدل بينهن في القسم والنفقة واجب، وإليه أشار في آخر الآية بقوله عز وجل: (ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا)، أي تجوروا، والجور حرام فكان العدل واجبا ضرورة؛ ولأن العدل مأمور به في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْل وَالإْحْسَانِ) ([40])على العموم والإطلاق إلا ما خص أو قيد بدليل؛ ولأن النساء رعية الزوج، فإنه يحفظهن وينفق عليهن، وكل راع مأمور بالعدل في رعيته.
   والعدل الواجب في القسم يكون فيما يملكه الزوج ويقدر عليه من البيتوتة والتأنيس ونحو ذلك، أما ما لا يملكه الزوج ولا يقدر عليه كالوطء ودواعيه، وكالميل القلبي والمحبة . . فإنه لا يجب على الزوج العدل بين الزوجات في ذلك؛ لأنه مبني على النشاط للجماع أو دواعيه والشهوة، وهو ما لا يملك توجيهه ولا يقدر عليه، وكذلك الحكم بالنسبة للميل القلبي والحب في القلوب والنفوس فهو غير مقدور على توجيهه، وقد قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في تفسير قوله تعالى: (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ) ([41]) يعني في الحب والجماع ، وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها قَالَتْ: {كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْسِمُ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَيَعْدِلُ، قَالَ عَفَّانُ: وَيَقُولُ: هَذِهِ قِسْمَتِي، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ هَذَا فِعْلِي فِيمَا أَمْلِكُ، فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ}([42]) يعني المحبة وميل([43]).







([1]) سورة  النساء: من الآية 19.
([2])  سورة البقرة: من الآية 228.
([3]) المغني لابن قدامة 7/ 18 ، أحكام القرآن للجصاص 1/ 442.
([4])  رواه ابن ماجة بإسناد حسن.
([5])  تفسير القرطبي 4/ 312، إعانة الطالبين 3/ 371.
([6])  أحكام القرآن للجصاص 2/ 132.
([7])  سورة البقرة: من الآية 228.
([8]) سورة  النساء: من الآية 19.
([9])  المغني لابن قدامة 7/ 18.
([10])  كشاف القناع 5/ 128، نهاية المحتاج 6/ 434.
([11]) سورة  النساء: من الآية 19.
([12])  رواه الترمذي وقال عنه: حديث  حسن صحيح.
([13])  تفسير ابن كثير (2/ 242).
([14])  رواه الإمام أحمد في مسنده.
([15])  رواه الترمذي وقال عنه: حديث  حسن.
([16])  رواه أبو داود بإسناد حسن صحيح.
([17])  رواه البخاري.
([18]) سورة  النساء: الآية 34.
([19]) الحديث أورده الواحدي في أسباب النزول ص151، وأخرجه ابن جرير في تفسيره  8/ 291. 
([20]) سورة  النساء: الآية 34.
([21])  رواه البخاري.
([22])  رواه ابن ماجة بإسناد ضعيف.
([23])  كشاف القناع عن متن الإقناع للبهوتي (5/ 191). الإصابة في تمييز الصحابة: (3/ 315). تاريخ الخلفاء للسيوطي (141).
([24])  متفق عليه.
([25])  رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين (2/ 662، 663 ) . الشرح الصغير على أقرب المسالك للصاوي (2/ 333، 507، 737).
([26])  رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين (2/ 402، 407، 662، 663، 664).  بدائع الصنائع للكاسانير(4/ 23).  حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (2/ 343، 344، 508، 509). الخرشي على مختصر خليل (4/ 4 ، 5). نهاية المحتاج للرملي (6/ 375، 7/ 184، 186، 189).  شرح منهاج الطالبين ( 3/ 300، 301، 4/ 74). المغني لابن قدامة (7 / 26، 27، 567، 568، 616).  كشاف القناع للبهوتي (5/ 196، 197، 460، 461).
([27]) سورة  النساء: الآية 12.
([28]) سورة النساء: من الآية 34.
([29]) سورة النساء: من الآية 4.
([30]) سورة البقرة: من الآية 237.
([31]) سورة النساء: من الآية 6.
([32]) نيل الأوطار للشوكاني (6/ 24).
([33]) سورة النساء: من الآية 5.
([34]) رواه البخاري.
([35])  التعريفات للجرجاني (175). حاشية الشرقاوي على تحفة الطلاب (2/ 280). كشاف القناع للبهوتي (5/ 198) .
([36]) سورة  النساء: من الآية 19.
([37]) رواه الترمذي بإسناد صحيح.
([38])  فتح القدير لابن الهمام (3/ 300). الاختيار (3/ 116). شرح الزرقاني (4/ 55). نهاية المحتاج للرملي (6/ 372). حاشية القليوبي (3/ 299- 300). كشاف القناع للبهوتي (5/ 198- 200). المغني لابن قدامة (7/ 28).
([39]) سورة النساء: من الآية 3.
([40]) سورة النحل: من الآية 90.
([41]) سورة النساء: من الآية 29.
([42]) رواه الإمام أحمد في مسنده.
([43]) بدائع الصنائع للكاساني (2/ 332). أسنى المطالب لابن زكريا الأنصاري (3/ 329). شرح الزرقاني (4/ 55). المغني لابن قدامة (7/ 27). 
التعليقات
0 التعليقات
جميع الحقوق محفوضة@2015 : د.حسن بن جازي الحويطات