(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)

الثلاثاء، يونيو 07، 2016

سترة المصلي داخل المسجد

   الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وذريته وأصحابه وممن تبعه بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
  فيحصل أحيانا اللغط داخل المسجد بين المصلين في اتخاذ سترة من ألواح الخشب ووضعها أمام المصلين وخصوصا في الصف الأول، لأنها تعيق أحيانا حرية حركة المصلي من مكان إلى آخر، فما حكم اتخاذ المصلي السترة داخل المسجد؟


 للإجابة على هذا السؤال يكون الجواب ضمن المطالب الآتية:
المطلب الأول: تعريف السترة وحكمها والحكمة منها.
   السُّتْرَةُ: ما ينصبه المصلي قدامه علامة لمصلاه من عصا وتسنيم تراب[1] وغيره، وسمي سترة لأنه يستر المار من المرور أي يحجبه [2]، ولا خلاف بين العلماء في استحباب اتخاذ السترة لمــن أراد الصلاة إذا كان فذا (منفردا)[3]، وقيل : نقل الإجماع فيه[4]، للأحايث النبوية الشريفة الواردة في ذلك، والأمر في الأحاديث للاستحباب لا للوجوب، أما المأموم فلا يستحب له اتخاذ السترة اتفاقا؛ لأن سترة الإمام سترة لمن خلفه، أو لأن الإمام سترة له[5].
   والحكمة من ذلك: كفّ بصر المصلّي عمّا وراءها، وجمع الخاطر بربط خياله كي لا ينتشر، ومنع من يجتاز بقربه كي لا يرتكب الإثم بالمرور بيــن يديه [6].
   تعريفها: سترة المصلي: هي ما يغرز أو ينصب أمام المصلي من عصا أو غير ذلك[7]، أو ما يجعله المصلي أمامه لمنع المارين بين يديه[8].
المطلب الثاني: الأحاديث النبوية الشريفة التي وردت في اتخاذ السترة للمصلي، وتعقيب العلماء عليها.
1-  عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: {سَمِعْتُ أَبِي أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِهِمْ بِالْبَطْحَاءِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ تَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ}[9]، يقول ابن حجر: "قوله: " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِهِمْ بِالْبَطْحَاءِ" يعني بطحاء مكة، وهو موضع خارج مكة، وهو الذي يقال له الأبطح"[10].
2-  عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا خَرَجَ يَوْمَ العِيدِ أَمَرَ بِالحَرْبَةِ، فَتُوضَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَيُصَلِّي إِلَيْهَا وَالنَّاسُ وَرَاءَهُ، وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ، فَمِنْ ثَمَّ اتَّخَذَهَا الْأُمَرَاءُ}[11].
3-  عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: {أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُرْكَزُ لَهُ الحَرْبَةُ فَيُصَلِّي إِلَيْهَا}[12]، وفي رواية: {كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم  تُخْرَجُ لَهُ حَرْبَةٌ فِي السَّفَرِ، فَيَنْصِبُهَا، فَيُصَلِّي إِلَيْهَا}[13].
4-  عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {كَانَ يَغْدُو إِلَى الْمُصَلَّى فِي يَوْمِ الْعِيدِ، وَالْعَنَزَةُ تُحْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِذَا بَلَغَ الْمُصَلَّى، نُصِبَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَيُصَلِّي إِلَيْهَا، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُصَلَّى كَانَ فَضَاءً، لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ يُسْتَتَرُ بِهِ}[14].
5-  عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّهُ قَالَ: {أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى حِمَارٍ أَتَانٍ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الِاحْتِلاَمَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِمِنًى إِلَى غَيْرِ جِدَارٍ، فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ فَنَزَلْتُ، وَأَرْسَلْتُ الأَتَانَ تَرْتَعُ، وَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ، فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ أَحَدٌ}[15].
   يقول الإمام ابن حجر العسقلاني تعقيبا على الحديث الشريف: "قول الشافعي: إن المراد بقول ابن عباس رضي الله عنهما "إِلَى غَيْرِ جِدَارٍ" أي إلى غير سترة، وذكرنا تأييد ذلك من رواية البزار، وقال بعض المتأخرين: قوله: "إِلَى غَيْرِ جِدَارٍ" لا ينفي غير الجدار، إلا أن إخبار ابن عباس رضي الله عنهما عن مروره بهم وعدم إنكارهم لذلك مُشعِرٌ بحدوث أمر لم يعهدوه، فلو فُرض هناك سترة أخرى غير الجدار لم يكن لهذا الإخبار فائدة، إذ مروره حينئذ لا ينكره أحد أصلا، وكأن البخاري حمل الأمر في ذلك على المألوف المعروف من عادته صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يصلي في الفضاء إلا والعنزة أمامه، ثم أيد ذلك بحديثي ابن عمر وأبي جحيفة رضي الله عنهم، وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما ما يدل على المداومة وهو قوله بعد ذكر الحربة  "وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ"[16].
6-  عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: {كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، حَصِيرٌ، يُبْسَطُ بِالنَّهَارِ، وَيَحْتَجِرُهُ بِاللَّيْلِ يُصَلِّي إِلَيْهِ}[17].
7-  عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: {أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ، وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، كَاعْتِرَاضِ الْجِنَازَةِ}[18].
8-  حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ: {كُنْتُ آتِي مَعَ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ فَيُصَلِّي عِنْدَ الأُسْطُوَانَةِ الَّتِي عِنْدَ المُصْحَفِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا مُسْلِمٍ، أَرَاكَ تَتَحَرَّى الصَّلاَةَ عِنْدَ هَذِهِ الأُسْطُوَانَةِ[19]، قَالَ: فَإِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَتَحَرَّى الصَّلاَةَ عِنْدَهَا}[20].
المطلب الثالث: أقوال العلماء في سترة المصلي داخل المسجد أو خارجه.
أ‌-    يقول ابن قدامة في كتابه المغني: "مسألة: قال: (وسترة الإمام سترة لمن خلفه) وجملته أنه يستحب للمصلي أن يصلي إلى سترة, فإن كان في مسجد أو بيت صلى إلى الحائط أو سارية, وإن كان في فضاء صلى إلى شيء شاخص بين يديه, أو نصب بين يديه حربة أو عصا, أو عرض البعير فصلى إليه, أو جعل رحله بين يديه، وسئل أحمد: يصلي الراحل إلى سترة في الحضر والسفر؟ قال: نعم, مثل آخرة الرحل[21].
ب‌-   جاء في فتاوى دائرة الإفتاء في الأردن، فتوى رقم (805) ما نصه: السؤال: دخلت المسجد ووجدت الإمام قد وضع فيه قطعا خشبية على شكل عامود مسطح له قاعدة، وقد ملأ المسجد بها حتى أصبحت كالنواصب، أو الأعمدة الصغيرة في المسجد، وعند سؤاله عن ذلك، قال: إنه من أجل السترة بين المصلي والسجود، هل فعله هذا صحيح؟
   الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، إن تعظيم السنة والحرص عليها من الأمور المحمودة في الدين، ويؤجر عليها المسلم الأجر العظيم، ولكن إذا كان هذا الحرص باسم السنة واتخذ أشكالا من التكلف والتنطع، وصورا من الإحداث في الدين، وسببا لوقوع الفرقة في صفوف المسلمين: صار حرصا مذموما ومنبوذا.
   وما بدأنا نشهده في بعض المساجد من انتشار الشواخص والنواصب بدعوى تحقيق سنة السترة في الصلاة واحد من أشكال التكلف والتنطع؛ فسنة السترة تتحقق بالصلاة إلى جدار المسجد أو أعمدته، فإن لم يتيسر ذلك تحققت السترة بالصلاة إلى ظهر أي مصل، فإن لم يتيسر ذلك فليس من المشروع أن يُعمد إلى استصناع شواخص تُملؤ بها المساجد، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إحداث وسائل العبادة التي لم يكلَّف بها المسلمون، وإنما طُلب منهم أن يأتوا بها على حسب استطاعتهم، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: {دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَإِذَا حَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ، فَقَالَ: مَا هَذَا الْحَبْلُ؟ قَالُوا: هَذَا حَبْلٌ لِزَيْنَبَ، فَإِذَا فَتَرَتْ تَعَلَّقَتْ، يعني استندت إليه في صلاتها، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لَا، حُلُّوهُ، لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ، فَإِذَا فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ} متفق عليه.
   فإذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن عقد حبل واحد بين ساريتين لغرض التنشط للعبادة؛ لما في ذلك من تحمل المشقة المتكلفة على النفس، فكيف يكون حال من ملأ المساجد بالشواخص التي لم تأمر بها الشريعة؛ وإنما أمرت باتخاذ السترة في الصلاة بما تيسر، فإن لم يتيسر فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
  ثم إن في استحداث هذه الشواخص العديدَ من المفاسد، كدفع الأموال لغرض استصناعها، والتضييق على مرور المصلين إلى الصفوف، وتشبيه المساجد بالمقابر المملوءة بشواخص القبور، بل وبعض هذه الشواخص التي أحدثت في المساجد شابهت أشكالا مختلفة ممقوتة، وأحدثت كثيرا من الفتن والنزاعات بين المصلين في مشروعيتها، وسبب كل ذلك الجهل والتشدد بما لا يليق في الدين، ومحاولة الإحداث في الدين بما لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الصحابة والتابعين.
    فنصيحتنا لجميع المسلمين أن لا يتكلفوا في الدين ما ليس منه، وأن لا ينشغلوا بفروع الشريعة عن تحقيق أصولها المتمثلة بالأركان والثوابت في أمور العلم والعمل والقيم والأخلاق،  والله أعلم.
ت‌-       جاء في مجلة البحوث الإسلامية (18/ 93)، فتوى رقم 3599 وتاريخ 5\ 4\ 1401هـ:
السؤال الأول: ما حكم وضع السترة أمام المصلي داخل المسجد؟
الجواب: الصلاة إلى سترة سنة في الحضر والسفر قي الفريضة والنافلة وفي المسجد وغيره.... وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يبتدرون سواري المسجد ليصلوا إليها النافلة، وذلك في الحضر في المسجد لكن لم يعرف عنهم أنهم كانوا ينصبون أمامهم ألواحا من الخشب ليكون سترة في الصلاة بالمسجد بل كانوا يصلون إلى جدارالمسجد وسواريه فينبغي عدم التكلف في ذلك، فالشريعة سمحة ولن يشادّ الدين أحد إلا غلبه ولأن الأمر بالسترة للاستحباب لا للوجوب.
المطلب الرابع: اتخاذ الخط أو ما يقوم مقامه كسترة.
   إن لم يجد المصلي ما ينصبه أمامه فليخط خطا، وهذا عند جمهور الفقهاء: (الشافعية والحنابلة، والراجح عند متأخري الحنفية) لما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قَال: {إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَل تِلْقَاءَ وَجْهِهِ شَيْئًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَنْصِبْ عَصًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَصًا فَلْيَخُطَّ خَطًّا، ثُمَّ لاَ يَضُرُّهُ مَا مَرَّ أَمَامَهُ}[22]،
لأن المقصود جمع الخاطر بربط الخيال كي لا ينتشر، وهو يحصل بالخط، ورجح الكمال بن الهمام من الحنفية صحة التستر بالخط وقال: لأن السنة أولى بالاتباع[23].
   وقاس الحنفية والشافعية على الخط المصلى ، كسجادة مفروشة، قال الطحطاوي: وهو قياس أولى؛ لأن المصلى أبلغ في دفع المار من الخط[24]، ولهذا قدم الشافعية المصلى على الخط وقالوا: قدم على الخط لأنه أظهر في المراد[25]، وقال المالكية: لا يصح التستر بخط يخطه في الأرض، وهذا قول متقدمي الحنفية أيضا واختاره في الهداية؛ لأنه لا يحصل به المقصود، إذ لا يظهر من بعيد[26].
المطلب الخامس: الترتيب فيما يجعل سترة.
   ذكر الشافعية لاتخاذ السترة أربع مراتب، وقالوا: لو عدل إلى مرتبة وهو قادر على ما قبلها لم تحصل سنة الاستتار، فيسن عندهم أولا التستر بجدار أو سارية، ثم إذا عجز عنها فإلى نحو عصا مغروزة، وعند عجزه عنها يبسط مصلى كسجادة، وإذا عجز عنها يخط قبالته خطا طولا، وذلك أخذا بنص الحديث الذي رواه أبو داود عن أن النبي صلى الله عليه وسلم قَال: {إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَل تِلْقَاءَ وَجْهِهِ شَيْئًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَنْصِبْ عَصًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَصًا فَلْيَخُطَّ خَطًّا، ثُمَّ لاَ يَضُرُّهُ مَا مَرَّ أَمَامَهُ}[27]، وقالوا: المراد بالعجز عدم السهولة[28]، وهذا هو المفهوم من كلام الحنفية والحنابلة أيضا وإن لم يصرحوا بالمراتب، قال ابن عابدين: المفهوم من كلامهم أنه عند إمكان الغرز لا يكفي الوضع، وعند إمكان الوضع لا يكفي الخط[29]، وعبارة الحنابلة تفيد ذلك حيث قالوا: فإن لم يجد شاخصا وتعذر غرز عصا ونحوها، وضعها بالأرض، ويكفي خيط ونحوه[30] . . فإن لم يجد خط خطا، أما المالكية فقد تقدم أنهم لا يجيزون الخط.
المطلب الرابع: المرور بين المصلي والسترة.
   لا خلاف بين الفقهاء في أن المرور وراء السترة لا يضر، وأن المرور بين المصلي وسترته منهي عنه، فيأثم المار بين يديه، لقوله صلى الله عليه وسلم : {لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ مِنَ الإْثْمِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ}[31].
   ويرى جمهور الفقهاء: الحنفية والمالكية والحنابلة، أن المار بين يدي المصلي آثم ولو لم يصل إلى سترة [32]، وذلك إذا مر قريبا منه، واختلفوا في حد القرب، قال بعضهم: ثلاثة أذرع فأقل[33]، أو ما يحتاج له في ركوعه وسجوده[34]، والصحيح عند الحنابلة تحديد ذلك بما إذا مشى إليه، ودفع المار بين يديه لا تبطل صلاته[35]، والأصح عند الحنفية أن يكون المرور من موضع قدمه إلى موضع سجوده، وقال بعضهم: إنه قدر ما يقع بصره على المار لو صلى بخشوع، أي راميا ببصره إلى موضع سجوده[36]، وقيد المالكية الإثم بما إذا مر في حريم المصلي من كانت له مندوحة أي سعة المرور بعيدا عن حريم المصلي، وإلا فلا إثم ، وكذا لو كان يصلي بالمسجد الحرام فمر بين يديه من يطوف بالبيت وقالوا: يأثم مصل تعرض بصلاته من غير سترة في محل يظن به المرور، ومر بين يديه أحد[37].
ونقل ابن عابدين عن بعض الفقهاء أن هنا صورا أربعا[38]:
الأولى: أن يكون للمار مندوحة عن المرور بين يدي المصلي ولم يتعرض المصلي لذلك فيختص المار بالإثم إن مرّ.
الثانية: أن يكون المصلي تعرض للمرور والمار ليس له مندوحة عن المرور ، فيختص المصلي بالإثم دون المار.
الثالثة: أن يتعرض المصلي للمرور ويكون للمار مندوحة، فيأثمان معا، أما المصلي فلتعرضه، وأما المار فلمروره مع إمكان أن لا يفعل.
الرابعة: أن لا يتعرض المصلي ولا يكون للمار مندوحة، فلا يأثم واحد منهما.
   ومثله ما ذكره بعض المالكية[39]، أما الشافعية فقد صرحوا بحرمة المرور بين يدي المصلي إذا صلى إلى سترة وإن لم يجد المار سبيلا آخر، وهذا إذا لم يتعد المصلي بصلاته في المكان، وإلا كأن وقف بقارعة الطريق أو استتر بسترة في مكان مغصوب فلا حرمة ولا كراهة، ولو صلى بلا سترة، أو تباعد عنها، أو لم تكن السترة بالصفة المذكورة فلا يحرم المرور بين يديه، وليس له دفع المار لتعديه بصلاته في ذلك المكان[40].
   هذا واستثنى الفقهاء من الإثم المرور بين يدي المصلي للطائف أو لسد فرجة في صف أو لغسل رعاف أو ما شابه ذلك[41].









[1] تسنيم التراب: يقال في اللغة: سَنَّم الشيء تَسَنَّمه أي: علاه، ومنه تَسْنِـيمُ القُبور وقَبْرٌ مُسَنَّم إِذا كان مرفوعاً عن الأَرض وكل شيء علا شيئاً فقد تَسَنَّمه.
ابن منظور، لسان العرب، 12/ 306.
[2] الفيومي، المصباح المنير، ص 266.
[3] ابن قدامة، المغني، 2/ 36. المرتضى، البحر الزخار، 1/ 206. اطفيش، شرح النيل، 2/ 84.
[4] النووي، المجموع، 3/ 226.
[5] حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص 200، 201. الشرح الصغير للدردير 1/ 334. جواهر الإكليل للأبي 1/ 50. مغني المحتاج للخطيب الشربيني 1/ 200. كشاف القناع للبهوتي 1/ 382.
[6] ابن عابدين، حاشية ابن عابدين، 1/ 637. شيخ زاده، مجمع الأنهر، 1/122. الشوكاني، نيل الأوطار، 3/3. الصنعاني، سبل السلام، 1/220.
[7] قواعد الفقه للبركتي ص 319.
[8] حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص 200. الشرح الصغير للدردير للدردير 1/ 334.
[9] رواه البخاري.
[10] فتح الباري لابن حجر، 1/573.
[11] متفق عليه.
[12] رواه البخاري.
[13] رواه ابن ماجة بإسناد صحيح.
[14] رواه ابن ماجة بإسناد صحيح.
[15] رواه البخاري.
[16] فتح الباري لابن حجر، 1/571،572.
[17] رواه ابن ماجة بإسناد صحيح.
[18] رواه ابن ماجة بإسناد صحيح.
[19] "الأسطوانة" أي: السارية.
[20] رواه البخاري.
[21] المغني لابن قدامة، 2/ 174.
[22] رواه أو داود وابن ماجة بإسناد ضعيف.
[23] حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص 201، فتح القدير مع الهداية لابن الهمام، 1/ 354، 355. المجموع للنووي، 3/ 227. مغني المحتاج للخطيب الشربيني 1/ 200، 201. المغني لابن قدامة، 2/ 172. كشاف القناع للبهوتي، 1/ 382، 383.
[24] حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص 101.
[25] مغني المحتاج للخطيب الشربيني، 1/ 200.
[26] حاشية ابن عابدين، 1/ 428. فتح القدير مع الهداية لابن الهمام، 1/ 354، 355.
[27] رواه أو داود وابن ماجة بإسناد ضعيف.
[28] الجمل على شرح المنهج، 1/ 436. مغني المحتاج للخطيب الشربيني 1/ 200. أسنى المطالب لزكريا الأنصاري، 1/ 184.
[29] حاشية ابن عابدين، 1/ 428.
[30] كشاف القناع للبهوتي، 1/ 382، 383. مطالب أولي النهى للرحيباني،1/ 488، 489.
[31] رواه البخاري.
[32] حاشية ابن عابدين، 1/ 428. جواهر الإكليل للأبي، 1/ 50. المغني لابن قدامة ،2/ 245، 253.
[33] مغني المحتاج للخطيب الشربيني، 1/ 200، 201، كشاف القناع للبهوتي،1/ 383. نهاية المحتاج للرملي، 2/ 53.
[34] جواهر الإكليل للأبي ،1/ 50، حاشية ابن عابدين، 1/ 426. نهاية المحتاج للرملي، 2/ 53
[35] المغني لابن قدامة، 2/ 254.
[36] حاشية ابن عابدين، 1/ 426.
[37] الشرح الصغير للدردير، 1/ 336، 337. حاشية الدسوقي، 1/ 246.
[38] حاشية ابن عابدين، 1/ 427.
[39] الشرح الصغير للدردير، 1/ 337.
[40] نهاية المحتاج للرملي، 2/ 52، 53. مغني المحتاج للخطيب الشربيني، 1/ 200.
[41] حاشية ابن عابدين 1/ 427. جواهر الإكليل للأبي 1/ 50. مغني المحتاج للخطيب الشربيني، 1/ 200.

التعليقات
0 التعليقات
جميع الحقوق محفوضة@2015 : د.حسن بن جازي الحويطات