(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)

السبت، يناير 30، 2016

التلفظ بالتكبير لسجود التلاوة أثناء الصلاة

 السؤال: قد يحصل النزاع بين المصلين وإمام المسجد لعدم تلفظه بتكبيرة سجود التلاوة أثناء الصلاة، فما حكم التكبير للهوي للسجود والقيام منه لسجدة التلاوة أثناء الصلاة للإمام والمأموم؟
 الجواب: اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين:


* القول الأول: ذهب جمهور الفقهاء من المالكية، والشافعية، والحنابلة إلى استحباب التلفظ بالتكبير عند الهوي للسجود والقيام منه لسجدة التلاوة أثناء الصلاة، لما روي عن نافع عن ابن عمر –رضي الله عنهما قال: {كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ عَلَيْنَا الْقُرْآنَ، فَإِذَا مَرَّ بِالسَّجْدَةِ كَبَّرَ وَسَجَدَ وَسَجَدْنَا مَعَهُ"، قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: "وَكَانَ الثَّوْرِيُّ يُعْجِبُهُ هَذَا الْحَدِيثُ"، قَالَ أَبُو دَاوُد: "يُعْجِبُهُ لأَنَّهُ كَبَّرَ}()، قوله: "إِذَا مَرَّ بِالسَّجْدَةِ كَبَّرَ وَسَجَدَ وَسَجَدْنَا": قَالَ الْخَطَّابِيُّ: "...وَفِيهِ أن السُّنَّةَ أن يُكَبِّرَ لِلسَّجْدَةِ، وَعَلَى هَذَا مَذْهَبُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ"([1]).
قال الإمام مالك: "من قرأ سجدة في الصلاة فإنه يكبر إذا سجدها ويكبر إذا رفع رأسه منها، وإذا قرأها وهو في غير صلاة فكان يضعف التكبير قبل السجود وبعد السجود... ثم قال: أرى أن يكبر"([2]).
قال الإمام الشيرازي: "وحكم سجود التلاوة حكم صلاة النفل يفتقر إلى الطهارة والستارة واستقبال القبلة; لأنها صلاة في الحقيقة فإن كان في الصلاة سجد بتكبير ورفع بتكبير"، وعقب الإمام النووي على قوله: "قال أصحابنا: فإن سجد للتلاوة في الصلاة لم يكبر للافتتاح; لأنه متحرم بالصلاة، لكن يستحب أن يكبر في الهوي إلى السجود ولا يرفع اليد; لأن اليد لا ترفع في الهوي إلى السجود, ويكبر عند رفعه رأسه من السجود كما يفعل في سجدات الصلاة، وهذا التكبير سنة ليس بشرط"([3]).
قال الإمام ابن قدامة: "مسألة: قال: (ويكبر إذا سجد) وجملة ذلك, أنه إذا سجد للتلاوة فعليه التكبير للسجود والرفع منه, سواء كان في صلاة أو في غيرها([4])، ويقول منصور البهوتي من الحنابلة: "يكبر في سجود التلاوة تكبيرتين, سواء كان في الصلاة أو خارجها: تكبيرة إذا سجد، وتكبيرة إذا رفع كسجود صلب الصلاة والسهو"([5]).
* القول الثاني: لم يصرح الحنفية في كتبهم بحكم التكبير عند الهوي والقيام من سجود التلاوة أثناء الصلاة، ويُفْهَم من كلامهم عدم اسحبابه، وقال الإمام الكاساني في البدائع: "أما كيفية أدائها فإن كان تلا خارج الصلاة يؤديها على نعت سجدات الصلاة وإن كان تلا في الصلاة فالأفضل أن يؤديها على هيئة السجدات أيضا كذا روي عن أبي حنيفة"([6]).
* القول المختار: إن مسألة التلفظ بالتكبير لسجود التلاوة أثناء الصلاة من المسائل الخلافية الاجتهادية بين الفقهاء، والتي لا تصل إلى درجة الخلاف والنزاع بين المصلين لحسم هذه المسألة، إلا أن القول المختار والذي أميل إليه ما ذهب إليه جمهور الفقهاء أصحاب القول الأول من استحباب تكبير الإمام والمأموم لسجود التلاوة أثناء الصلاة، وخصوصاً للإمام؛ لعموم الحديث الشريف المروي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: يُكَبِّرُ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ، وَقِيَامٍ وَقُعُودٍ}([7])، وحتى لا يُشْكِل على المصلين هل الإمام سجد للتلاوة أو لم يسجد إذا لم يتلفظ بالتكبير، فيجعل المأموم في حيرة، وخصوصاً إذا كان هناك من المصلين من هو خارج المسجد أو بعيد عن الإمام.







([1]) عون المعبود شرح سنن أبي داود 4/202.
([2]) المدونة، الإمام مالك بن أنس، 1/200.
([3]) المجموع، النووي، 3/559.
([4]) المغني، ابن قدامة، 1/359.
([5]) شرح منتهى الإرادات، البهوتي، 1/253.
([6]) السرخسي، المبسوط، ج 2 ص 8. الكاساني، بدائع الصنائع، ج 1 ص 188.
([7])  رواه الترمذي بإسناد صحيح.
التعليقات
0 التعليقات
جميع الحقوق محفوضة@2015 : د.حسن بن جازي الحويطات